للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَهُوَ حَرَامٌ مَكْرُوهٌ

وَقَالَ شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: إنَّهُ مُبَاحٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا﴾ اُمْتُنَّ عَلَيْنَا بِهِ، وَهُوَ بِالْمُحَرَّمِ لَا يَتَحَقَّقُ

وَلَنَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا مِنْ قَبْلُ، وَالْآيَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ إذْ كَانَتْ الْأَشْرِبَةُ مُبَاحَةً كُلُّهَا، وَقِيلَ أَرَادَ بِهِ التَّوْبِيخَ، مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَتَدَّعُونَ رِزْقًا حَسَنًا

وَأَمَّا نَقِيعُ الزَّبِيبِ وَهُوَ النِّيءُ مِنْ مَاءِ الزَّبِيبِ فَهُوَ حَرَامٌ إذَا اشْتَدَّ وَغَلَى وَيَتَأَتَّى فِيهِ خِلَافُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَعْنَى مِنْ قَبْلُ، إلَى أَنَّ حُرْمَةَ هَذِهِ الْأَشْرِبَةِ دُونَ حُرْمَةِ الْخَمْرِ حَتَّى لَا يَكْفُرَ مُسْتَحِلُّهَا، وَيَكْفُرُ مُسْتَحِلُّ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهَا اجْتِهَادِيَّةٌ، وَحُرْمَةُ الْخَمْرِ قَطْعِيَّةٌ،

أَنْ يُنْقَعَ الرُّطَبُ لَا مَحَالَةَ حَتَّى يُسَمَّى نَقِيعًا، وَقِيَاسُ كَلَامِهِ هُنَا أَنْ يَقُولَ فِي نَقِيعِ الزَّبِيبِ: أَيْ نَقِيعِ الْعِنَبِ وَلَيْسَ بِقَوِيٍّ انْتَهَى

وَقَالَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ دَفْعًا لِذَلِكَ النَّظَرِ: وَإِنَّمَا فَسَّرَ التَّمْرَ بِالرُّطَبِ؛ لِأَنَّ الْمُتَّخَذَ مِنْ التَّمْرِ اسْمُهُ نَبِيذُ التَّمْرِ لَا السَّكَرُ، وَهُوَ حَلَالٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ عَلَى مَا سَيَجِيءُ انْتَهَى

أَقُولُ: فِيمَا قَالَهُ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ أَيْضًا نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الَّذِي كَانَ اسْمُهُ نَبِيذَ التَّمْرِ وَكَانَ حَلَالًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إنَّمَا هُوَ مَا اُتُّخِذَ مِنْ التَّمْرِ وَطُبِخَ أَدْنَى طَبْخَةٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ، وَسَيَجِيءُ فِي الْكِتَابِ فِي قَوْلِهِ وَقَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَنَبِيذُ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ إذَا طُبِخَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَدْنَى طَبْخَةٍ حَلَالٌ وَإِنْ اشْتَدَّ إذَا شُرِبَ مِنْهُ مَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يُسْكِرُهُ مِنْ غَيْرِ لَهْوٍ وَطَرَبٍ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ

وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ حَرَامٌ انْتَهَى

وَاَلَّذِي ذَكَرَ هَا هُنَا إنَّمَا هُوَ نَقِيعُ التَّمْرِ إذَا لَمْ يُطْبَخْ كَمَا أَفْصَحَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ وَهُوَ النِّيءُ مِنْ مَاءِ التَّمْرِ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالسَّكَرِ لَا غَيْرُ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَلَالٍ عِنْدَ أَئِمَّتِنَا أَصْلًا، فَلَا حَاجَةَ إلَى تَفْسِيرِ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ (قَوْلُهُ فَهُوَ حَرَامٌ مَكْرُوهٌ) قَالَ عَامَّةُ الشُّرَّاحِ: أَرْدَفَ الْحَرَامَ بِالْكَرَاهَةِ إشَارَةً إلَى أَنَّ حُرْمَتَهُ لَيْسَتْ كَحُرْمَةِ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّ مُسْتَحِلَّ الْخَمْرِ يَكْفُرُ وَمُسْتَحِلَّ غَيْرِهَا لَا يَكْفُرُ اهـ أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَقْصُودُ الْمُصَنِّفِ بِإِرْدَافِ الْحَرَامِ بِالْمَكْرُوهِ الْإِشَارَةَ إلَى مَا ذَكَرُوهُ لَأَرْدَفَهُ بِذَلِكَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ بَعْدَ الْخَمْرِ؛ إذْ لَيْسَتْ حُرْمَةُ شَيْءٍ مِنْهَا كَحُرْمَةِ الْخَمْرِ، وَلَوْ اكْتَفَى بِإِرْدَافِهِ بِذَلِكَ فِي وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْأَقْسَامِ لَكَانَ الْقِسْمُ الْمَذْكُورُ عَقِيبَ الْخَمْرِ أَحَقَّ بِذَلِكَ كَمَا لَا يَخْفَى

وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الْمُصَنِّفَ سَيُصَرِّحُ بِأَنَّ حُرْمَةَ هَذِهِ الْأَشْرِبَةِ دُونَ حُرْمَةِ الْخَمْرِ حَتَّى لَا يَكْفُرَ مُسْتَحِلُّهَا وَيَكْفُرَ مُسْتَحِلُّ الْخَمْرِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِشَارَةِ إلَى ذَلِكَ هَا هُنَا (قَوْلُهُ وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ التَّوْبِيخَ مَعْنَاهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَتَدَّعُونَ رِزْقًا حَسَنًا) قَالَ الشُّرَّاحُ: أَيْ أَنْتُمْ لِسَفَاهَتِكُمْ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا حَرَامًا وَتَتْرُكُونَ رِزْقًا حَسَنًا

أَقُولُ: فِيهِ إشْكَالٌ؛ لِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا عِنْدَ شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالْآيَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ بِأَنَّ الْآيَةَ مَكِّيَّةٌ وَتَحْرِيمَ الْخَمْرِ وَقَعَ بِالْمَدِينَةِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْآيَةِ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا حَرَامًا، وَالْخَمْرُ وَقْتَئِذٍ مِمَّا لَمْ يُوصَفْ بِالْحُرْمَةِ فَأَيْنَ السَّكَرُ الْحَرَامُ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّ حُرْمَةَ هَذِهِ الْأَشْرِبَةِ دُونَ حُرْمَةِ الْخَمْرِ حَتَّى لَا يَكْفُرَ مُسْتَحِلُّهَا وَيَكْفُرَ مُسْتَحِلُّ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهَا اجْتِهَادِيَّةٌ، وَحُرْمَةُ الْخَمْرِ قَطْعِيَّةٌ) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: مِنْ هَذِهِ الْأَشْرِبَةِ نَقِيعُ التَّمْرِ وَهُوَ السَّكَرُ، وَقَدْ قَالَ فِي إثْبَاتِ حُرْمَتِهِ: وَلَنَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ أَنَّ إجْمَاعَ الْأُمَّةِ سِيَّمَا إجْمَاعُ

<<  <  ج: ص:  >  >>