للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْمُسْكِرُ حَقِيقَةً

وَاَلَّذِي يُصَبُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ بَعْدَ مَا ذَهَبَ ثُلُثَاهُ بِالطَّبْخِ حَتَّى يَرِقَّ ثُمَّ يُطْبَخُ طَبْخَةً حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُثَلَّثِ؛ لِأَنَّ صَبَّ الْمَاءِ لَا يَزِيدُهُ إلَّا ضَعْفًا، بِخِلَافِ مَا إذَا صُبَّ الْمَاءُ عَلَى الْعَصِيرِ ثُمَّ يُطْبَخُ حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَا الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ يَذْهَبُ أَوَّلًا لِلَطَافَتِهِ، أَوْ يَذْهَبُ مِنْهُمَا فَلَا يَكُونُ الذَّاهِبُ ثُلُثَيْ مَاءِ الْعِنَبِ

وَلَوْ طُبِخَ الْعِنَبُ كَمَا هُوَ ثُمَّ يُعْصَرُ يُكْتَفَى بِأَدْنَى طَبْخَةٍ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ لَا يَحِلُّ مَا لَمْ يَذْهَبْ ثُلُثَاهُ بِالطَّبْخِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْعَصِيرَ قَائِمٌ فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَغَيُّرٍ فَصَارَ كَمَا بَعْدَ الْعَصْرِ.

وَلَوْ جُمِعَ فِي الطَّبْخِ بَيْنَ الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ أَوْ بَيْنَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَاهُ

عَلَى حُرْمَةِ قَلِيلِ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ إنَّمَا هِيَ بِطَرِيقِ الْعِبَارَةِ، وَدَلَالَةُ مَا رَوَاهُ الْمُصَنِّفِ مِنْ قِبَلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ عَلَى حِلِّ قَلِيلِ ذَلِكَ إنَّمَا هِيَ بِطَرِيقِ الْإِشَارَةِ أَوْ الِاقْتِضَاءِ

وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ أَنَّ عِبَارَةَ النَّصِّ تُرَجَّحُ عَلَى إشَارَةِ النَّصِّ وَاقْتِضَائِهِ عِنْدَ التَّعَارُضِ، فَإِنْ أَرَادَ ذَلِكَ الْقَائِلُ بِمُعَارَضَةِ مَا رَوَاهُ لَهُمَا الْمُعَارَضَةَ الْمُوجِبَةَ لِلتَّسَاقُطِ، وَهِيَ الْمُعَارَضَةُ بِدُونِ الرُّجْحَانِ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَإِنْ أَرَادَ بِهَا الْمُعَارَضَةَ مَعَ الرُّجْحَانِ فِي جَانِبِ الْحَدِيثَيْنِ اللَّذَيْنِ رَوَاهُمَا الْخَصْمُ فَلَيْسَ بِمُفِيدٍ بَلْ مُخِلٍّ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمَاءَ يَذْهَبُ أَوَّلًا لِلَطَافَتِهِ أَوْ يَذْهَبُ مِنْهُمَا فَلَا يَكُونُ الذَّاهِبُ ثُلُثَيْ مَاءِ الْعِنَبِ) قَالَ الشُّرَّاحُ: أَيْ عَلَى الْقَطْعِ وَالْبَتَاتِ

وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: قَوْلُهُ أَيْ عَلَى الْقَطْعِ وَالْبَتَاتِ فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ تَثْبُتُ بِالشُّبْهَةِ انْتَهَى

أَقُولُ: مَدَارُ هَذَا الْبَحْثِ عَلَى عَدَمِ فَهْمِ مُرَادِ الشَّارِحِ، فَإِنَّ مُرَادَهُمْ بِقَوْلِهِمْ: أَيْ عَلَى الْقَطْعِ وَالْبَتَاتِ تَقْيِيدُ الْمَنْفِيِّ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَلَا يَكُونُ الذَّاهِبُ ثُلُثَيْ مَاءِ الْعِنَبِ لَا تَقْيِيدَ النَّفْيِ

فَالْمَعْنَى أَنَّ ذَهَابَ ثُلُثَيْ مَاءِ الْعِنَبِ عَلَى الْقَطْعِ وَالْبَتَاتِ لَا يَكُونُ؛ لِأَنَّ ذَهَابَ ثُلُثَيْ مَاءِ الْعِنَبِ لَا يَكُونُ عَلَى الْقَطْعِ وَالْبَتَاتِ

وَحَاصِلُهُ أَنَّ ذَهَابَهُمَا الْقَطْعِيَّ لَمْ يَثْبُتْ؛ لِأَنَّ عَدَمَ ذَهَابِهِمَا قَطْعِيٌّ، فَلَمَّا لَمْ يَثْبُتْ ذَهَابُهُمَا عَلَى الْقَطْعِ وَالْبَتَاتِ بَلْ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الذَّاهِبُ أَقَلَّ مِنْهُمَا بِأَنْ يَذْهَبَ الْمَاءُ أَوَّلًا لِلَطَافَتِهِ قُلْنَا بِحُرْمَةِ شُرْبِ ذَلِكَ الْعَصِيرِ احْتِيَاطًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحُرْمَةَ تَثْبُتُ بِالشُّبْهَةِ فَلَا مَحَلَّ لِلْبَحْثِ الْمَذْكُورِ

وَالْفَرْقُ بَيْنَ تَعَلُّقِ الْقَيْدِ بِالنَّفْيِ وَبَيْنَ تَعَلُّقِهِ بِالْمَنْفِيِّ فِي أَمْثَالِ هَذَا الْمَقَامِ أَصْلٌ كَبِيرٌ قَدْ نُبِّهَ عَلَيْهِ فِي مَوَاضِعَ شَتَّى مِنْ عِلْمِ الْبَلَاغَةِ فَكَيْفَ خَفِيَ عَلَى ذَلِكَ الْقَائِلِ

(قَوْلُهُ وَلَوْ جُمِعَ فِي الطَّبْخِ بَيْنَ الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ أَوْ بَيْنَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَاهُ) قَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ: وَلَنَا فِي قَوْلِهِ أَوْ بَيْنَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مَاءَ الزَّبِيبِ كَمَاءِ التَّمْرِ يُكْتَفَى فِيهِمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>