بِالْوَثِيقَةِ فِي طَرَفِ الْوُجُوبِ وَهِيَ الْكَفَالَةُ
قَالَ (الرَّهْنُ يَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَيَتِمُّ بِالْقَبْضِ) قَالُوا: الرُّكْنُ الْإِيجَابُ بِمُجَرَّدِهِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ فَيَتِمُّ بِالْمُتَبَرَّعِ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ
التَّعْرِيفُ عَلَى الرَّهْنِ قَبْلَ تَمَامِهِ وَلُزُومِهِ أَيْضًا بِلَا رَيْبٍ
ثُمَّ إنَّ الْإِمَامَ النَّسَفِيَّ لَمَّا قَالَ فِي الْكَنْزِ: هُوَ حَبْسُ شَيْءٍ بِحَقٍّ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْهُ كَالدَّيْنِ، قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي شَرْحِهِ: هَذَا حَدُّهُ فِي الشَّرْعِ، ثُمَّ قَالَ: وَقَوْلُهُ كَالدَّيْنِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الرَّهْنَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْحَقُّ الْمُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الرَّهْنِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ انْتَهَى
أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ الْمُتَبَادَرَ مِنْ الْكَافِ فِي قَوْلِهِ كَالدَّيْنِ أَنْ يَجُوزَ الرَّهْنُ بِغَيْرِ الدَّيْنِ أَيْضًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي قَوْلِهِ كَالدَّيْنِ إشَارَةٌ إلَى جَوَازِ الرَّهْنِ بِغَيْرِ الدَّيْنِ أَيْضًا فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى انْحِصَارِ مَا يَجُوزُ الرَّهْنُ بِهِ فِي الدَّيْنِ فَلَا وَجْهَ لِقَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ قَوْلُهُ كَالدَّيْنِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الرَّهْنَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالدَّيْنِ (قَوْلُهُ الرَّهْنُ يَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: رُكْنُ الرَّهْنِ الْإِيجَابُ وَهُوَ قَوْلُ الرَّاهِنِ رَهَنْتُك هَذَا الْمَالَ بِدَيْنٍ لَك عَلَيَّ وَمَا أَشْبَهَهُ، وَالْقَبُولُ وَهُوَ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ قَبِلْت؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ، وَالْعَقْدُ يَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، وَعَلَى ذَلِكَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ انْتَهَى
وَأَوْرَدَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ وَالْعَقْدُ يَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ بِأَنْ قَالَ: هَذَا مَنْقُوضٌ بِعَقْدِ التَّبَرُّعَاتِ، وَقَالَ: إلَّا أَنْ يَخُصَّ الْعَقْدَ فِي الصُّغْرَى بِمَا سِوَى التَّبَرُّعِ
أَقُولُ: لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ إيرَادِهِ وَتَوْجِيهِهِ بِمُسْتَقِيمٍ
أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ مَنْ يَقُولُ مِنْ الْمَشَايِخِ بِأَنَّ انْعِقَادَ الرَّهْنِ لَا يَكُونُ إلَّا بِمَجْمُوعِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ يَقُولُ بِأَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ فِي سَائِرِ عَقْدِ التَّبَرُّعَاتِ أَيْضًا، وَاخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ فِي أَنَّ الْقَبُولَ هَلْ هُوَ رُكْنٌ كَالْإِيجَابِ أَمْ لَا؟ لَيْسَ بِمُخْتَصٍّ بِعَقْدِ الرَّهْنِ بَلْ يَعُمُّ سَائِرَ التَّبَرُّعَاتِ أَيْضًا مِنْ الْعُقُودِ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ كَمَا مَرَّ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْهِبَةِ، فَلَا انْتِقَاضَ بِشَيْءٍ عَلَى أَصْلِ مَنْ يَقُولُ مِنْ الْمَشَايِخِ بِأَنَّ الْقَبُولَ رُكْنٌ فِي كُلِّ عَقْدٍ، وَقَوْلُ الْقُدُورِيِّ: الرَّهْنُ يَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، وَتَعْلِيلُ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ إيَّاهُ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّهُ عَقْدٌ وَالْعَقْدُ يَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلِ هَؤُلَاءِ الْمَشَايِخِ
وَأَمَّا قَوْلُ سَائِرِ الْمَشَايِخِ فَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ قَالُوا: الرُّكْنُ الْإِيجَابُ بِمُجَرَّدِهِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ فَيَتِمُّ بِالْمُتَبَرَّعِ، وَأَوْضَحَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِهِ
وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لَوْ خَصَّ الْعَقْدَ فِي الصُّغْرَى بِمَا سِوَى التَّبَرُّعِ صَارَ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ أَيْ الرَّهْنَ عَقْدٌ غَيْرُ تَبَرُّعٍ، وَكُلُّ عَقْدٍ غَيْرِ تَبَرُّعٍ يَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الصُّغْرَى تَصِيرُ حِينَئِذٍ كَاذِبَةً؛ إذْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ لَيْسَ بِعَقْدِ تَبَرُّعٍ، بَلْ أَطْبَقَتْ كَلِمَاتُهُمْ عَلَى أَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ فَلَا صِحَّةَ لِلتَّخْصِيصِ بِمَا سِوَى التَّبَرُّعِ (قَوْلُهُ قَالُوا: الرُّكْنُ الْإِيجَابُ بِمُجَرَّدِهِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ فَيَتِمُّ بِالْمُتَبَرَّعِ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي حِلِّ هَذَا التَّعْلِيلِ: لِأَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ، وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ يَتِمُّ بِالْمُتَبَرَّعِ، فَالرَّهْنُ يَتِمُّ بِالْمُتَبَرَّعِ، أَمَّا أَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ فَلِأَنَّ الرَّاهِنَ لَمْ يَسْتَوْجِبْ بِإِزَاءِ مَا أَثْبَتَ لِلْمُرْتَهِنِ مِنْ الْيَدِ شَيْئًا