فِي الْوَصِيَّةِ وَذَلِكَ بِالْقَبْضِ، ثُمَّ يَكْتَفِي فِيهِ بِالتَّخْلِيَةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ قَبْضٌ بِحُكْمِ عَقْدٍ مَشْرُوعٍ فَأَشْبَهَ قَبْضَ الْمَبِيعِ
لِأَنَّ الرِّهَانَ جَمْعُ رَهْنٍ كَالنَّعْلِ وَالنِّعَالِ وَالْحَبْلِ وَالْحِبَالِ، وَقَوْلُهُ مَقْبُوضَةٌ بِالتَّأْنِيثِ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ جَمْعٌ وَلَيْسَ بِمَصْدَرٍ، وَإِنَّمَا قَالَ: وَالْمَصْدَرُ الْمَقْرُونُ؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَرَهْنُ رِهَانٍ مَقْبُوضَةٍ انْتَهَى
وَقَالَ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: وَفِي النِّهَايَةِ: فِي تَسْمِيَتِهِ الرِّهَانَ بِالْمَصْدَرِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الرِّهَانَ جَمْعُ رَهْنٍ كَالنَّعْلِ وَالنِّعَالِ وَهَكَذَا فِي كُتُبِ اللُّغَةِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ ﴿مَقْبُوضَةٌ﴾ بِالتَّأْنِيثِ فَدَلَّ أَنَّهُ جَمْعٌ لَا مَصْدَرٌ
وَقَالَ فِي الْفَوَائِدِ الشَّاهِيَةِ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الرِّهَانُ مَصْدَرًا مِنْ بَابِ الْمُفَاعَلَةِ كَالْقِتَالِ وَالضِّرَابِ، وَمَقْبُوضَةٌ صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ وَهُوَ فَرِهَانٌ مَرْهُونَةٌ مَقْبُوضَةٌ، وَأَنَّثَ الْمَرْهُونَ بِتَأْوِيلِ السِّلْعَةِ أَوْ الْعَيْنِ كَمَا يُؤَنَّثُ الصَّوْتُ بِتَأْوِيلِ الصَّيْحَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الرِّهَانُ مَصْدَرًا بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ، وَأَنَّثَ الْمَرْهُونَ لِمَا ذَكَرْنَا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الرِّهَانُ قَائِمًا مَقَامَ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ وَهُوَ فَرَهْنُ رِهَانٍ مَقْبُوضَةٍ فَيَكُونُ مَصْدَرًا تَقْدِيرًا لَا تَحْقِيقًا، إلَى هُنَا كَلَامُهُ
وَأَمَّا صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فَعَدَّ مَا اسْتَشْكَلُوهُ أَمْرًا هَيِّنًا وَتَعَجَّبَ مِنْهُ حَيْثُ قَالَ: قِيلَ إنَّ الْمُصَنِّفَ جَعَلَ الرِّهَانَ مَصْدَرًا وَهُوَ جَمْعُ رَهْنٍ، ثُمَّ قَالَ: وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّهُ مِمَّا يُقْضَى مِنْهُ الْعَجَبُ؛ لِأَنَّهُ جَمْعُ رَهْنٍ وَالرَّهْنُ مَصْدَرٌ فَجَمْعُهُ كَذَلِكَ، وَإِسْنَادُ مَقْبُوضَةٍ إلَى ضَمِيرِ الْمَصْدَرِ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ كَمَا فِي: سَيْلٍ مُفْعَمٍ انْتَهَى
أَقُولُ: مَنْشَأُ مُجَازَفَتِهِ هَذِهِ الْغُفُولَ عَمَّا ذُكِرَ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ وَكُتُبِ التَّفْسِيرِ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الرِّهَانِ جَمْعَ رَهْنٍ أَمْرٌ مُقَرَّرٌ، وَأَمَّا كَوْنُهُ جَمْعَ رَهْنٍ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ فَكَلَّا بَلْ هُوَ جَمْعُ رَهْنٍ بِمَعْنَى الْمَرْهُونِ
قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: وَالرَّهْنُ الْمَرْهُونُ وَالْجَمْعُ رُهُونٌ وَرِهَانٌ وَرُهُنٌ
وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ: الرَّهْنُ مَا وُضِعَ عِنْدَك لِيَنُوبَ مَنَابَ مَا أُخِذَ مِنْك وَالْجَمْعُ رِهَانٌ وَرُهُونٌ وَرُهُنٌ بِضَمَّتَيْنِ
وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ: الرَّهْنُ مَعْرُوفٌ، وَالْجَمْعُ رِهَانٌ مِثْلُ حَبْلٍ وَحِبَالٍ
وَقَالَ فِي تَفْسِيرِ الْقَاضِي: رِهَانٌ وَرُهُنٌ كِلَاهُمَا جَمْعُ رَهْنٍ بِمَعْنَى مَرْهُونٍ، وَكَذَا فِي سَائِرِ التَّفَاسِيرِ
ثُمَّ إنَّ كَوْنَ إسْنَادِ ﴿مَقْبُوضَةٌ﴾ إلَى ضَمِيرِ رِهَانٍ مَجَازًا عَقْلِيًّا خِلَافُ الظَّاهِرِ لَا يُصَارُ إلَيْهِ بِلَا ضَرُورَةٍ دَاعِيَةٍ إلَيْهِ، وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ فِي الْآيَةِ الْمَزْبُورَةِ، إذْ يَصِحُّ الْمَعْنَى وَيَحْسُنُ جِدًّا بِحَمْلِ الرِّهَانِ عَلَى جَمْعِ الرَّهْنِ بِمَعْنَى الْمَرْهُونِ كَمَا حَمَلَ عَلَيْهِ الْمُفَسِّرُونَ وَيَكُونُ الْإِسْنَادُ إذْ ذَاكَ حَقِيقِيًّا، فَمَا مَعْنَى الْعُدُولِ عَنْهُ، وَبِنَاءُ اسْتِدْلَالِنَا بِتِلْكَ الْآيَةِ عَلَى مَا هُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَخِلَافُ مَا عَلَيْهِ فَحَوْلُ الْمُفَسِّرِينَ
ثُمَّ إنَّ تَمْثِيلَهُ الْمَجَازَ الْعَقْلِيَّ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ هَا هُنَا بِسَيْلٍ مُفْعَمٍ قَبِيحٌ جِدًّا، فَإِنَّ الْمُفْعَمَ اسْمُ مَفْعُولٍ أُسْنِدَ إلَى الْفَاعِلِ كَمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَلَيْسَ مِمَّا أُسْنِدَ إلَى الْمَصْدَرِ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ، فَالْمُنَاسِبُ فِي التَّمْثِيلِ هَا هُنَا أَنْ يَقُولَ كَمَا فِي شِعْرِ شَاعِرٍ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي كُتُبِ عِلْمِ الْبَلَاغَةِ
ثُمَّ أَقُولُ: التَّوْجِيهَاتُ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي سَائِرِ الشُّرُوحِ لِتَصْحِيحِ مَا فِي الْكِتَابِ كُلُّهَا أَيْضًا خِلَافُ الظَّاهِرِ وَخِلَافُ مَا عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ، فَالْإِنْصَافُ أَنَّ التَّمَسُّكَ بِمِثْلِهَا لَا يُفِيدُ الْقَطْعَ وَلَا الْإِلْزَامَ عَلَى الْخَصْمِ، وَلَكِنَّ الْأَقْرَبَ وَالْأَشْبَهَ مِنْ بَيْنِهَا أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ فَرَهْنُ رِهَانٍ مَقْبُوضَةٍ، عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمَصْدَرُ الْمَقْرُونُ بِالْفَاءِ مَحْذُوفًا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى ﴿فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ فَإِنَّ التَّقْدِيرَ فِيهِ: فَصَوْمُ عِدَّةٍ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ تَأَمَّلْ تَرْشُدْ (قَوْلُهُ ثُمَّ يُكْتَفَى فِيهِ بِالتَّخْلِيَةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ قَبْضٌ بِحُكْمِ عَقْدٍ مَشْرُوعٍ فَأَشْبَهَ قَبْضَ الْمَبِيعِ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: هَذَا مَنْقُوضٌ بِصُورَةِ الصَّرْفِ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْقَبْضِ بِالْبَرَاجِمِ وَلَا يُكْتَفَى بِالتَّخْلِيَةِ مَعَ جَرَيَانِ الدَّلِيلِ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ رِوَايَةُ كِفَايَةِ التَّخْلِيَةِ فِيهِ وَكَوْنُهَا مُخْتَارَ الْمُصَنِّفِ انْتَهَى
أَقُولُ: الْجَوَابُ عَنْ