وَلِأَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ لِمَا أَنَّ الرَّاهِنَ لَا يَسْتَوْجِبُ بِمُقَابَلَتِهِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ شَيْئًا وَلِهَذَا لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ إمْضَائِهِ كَمَا
وقَوْله تَعَالَى ﴿فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ بِتَقْدِيرِ فَصَوْمُ عِدَّةٍ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ: أَيْ فَلْيَصُمْ عِدَّةً مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ، فَكَانَ الْمَصْدَرُ فِيمَا تَلَوْنَا هَا هُنَا أَيْضًا وَهُوَ قَوْله تَعَالَى ﴿فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ﴾ بِمَعْنَى الْأَمْرِ: أَيْ فَارْهَنُوا وَارْتَهِنُوا
ثُمَّ لَمَّا كَانَ بِمَعْنَى الْأَمْرِ وَلَمْ يُعْمَلْ بِمُوجِبِ الْأَمْرِ الَّذِي هُوَ الْوُجُوبُ وَاللُّزُومُ فِي حَقِّ نَفْسِ الرَّهْنِ حَيْثُ لَمْ يَجِبْ الرَّهْنُ عَلَى الْمَدْيُونِ بِالْإِجْمَاعِ وَجَبَ أَنْ يُعْمَلَ بِهِ فِي شَرْطِهِ وَهُوَ الْقَبْضُ كَمَا قُلْنَا فِي قَوْلِهِ ﵊ «الْحِنْطَةَ بِالْحِنْطَةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ» بِالنَّصْبِ: أَيْ بِيعُوا، فَلَمْ يَعْمَلْ الْأَمْرُ فِي نَفْسِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ مُبَاحٌ غَيْرُ وَاجِبٍ فَصُرِفَ إلَى شَرْطِهِ وَهُوَ الْمُمَاثَلَةُ فِي أَمْوَالِ الرِّبَا، فَكَذَا هُنَا، هَذَا زُبْدَةُ مَا ذُكِرَ فِي جُمْلَةِ الشُّرُوحِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ
ثُمَّ إنَّ كَثِيرًا مِنْ الشُّرَّاحِ اسْتَشْكَلُوا كَلَامَ الْمُصَنِّفِ هَا هُنَا، فَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: فِي تَسْمِيَةِ الرِّهَانِ بِالْمَصْدَرِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الرِّهَانَ جَمْعُ رَهْنٍ كَالنَّعْلِ وَالنِّعَالِ وَالْحَبْلِ وَالْحِبَالِ، كَذَا فِي كُتُبِ اللُّغَةِ، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ مَقْبُوضَةٌ بِالتَّأْنِيثِ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ جَمْعٌ وَلَيْسَ بِمَصْدَرٍ، وَلَوْ تَمَحَّلَ مُتَمَحِّلٌ بِتَصْحِيحِ مَا فِي الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ تَقْدِيرُهُ فَرَهْنُ رِهَانٍ مَقْبُوضَةٍ فَكَانَ الْمَصْدَرُ مَحْذُوفًا فَجَعَلَ الْمَحْذُوفَ بِمَنْزِلَةِ الثَّابِتِ فَقَالَ وَالْمَصْدَرُ الْمَقْرُونُ بِحَرْفِ الْفَاءِ، وَالرِّهَانُ لَمَّا كَانَ مَصْدَرًا عَلَى قَوْلِ صَاحِبِ الْكِتَابِ كَانَ إرَادَةُ الْمَرْهُونِ بِهِ جَائِزَةً كَالرَّهْنِ يُرَادُ بِهِ الْمَرْهُونُ، ثُمَّ أُنِّثَ الْمَرْهُونُ بِتَأْوِيلِ السِّلْعَةِ أَوْ الْعَيْنِ فَقِيلَ مَقْبُوضَةٌ بِالتَّأْنِيثِ كَمَا يُؤَنَّثُ الصَّوْتُ بِتَأْوِيلِ الصَّيْحَةِ لَكَانَ وَجْهًا بَعِيدًا؛ إذْ فِي الْأَوَّلِ وُرُودُ الْإِلْبَاسِ وَفِي الثَّانِي لَا يَبْقَى الْمَصْدَرُ بِحَقِيقَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، إلَى هُنَا لَفْظُ النِّهَايَةِ
وَقَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ: وَقَدْ سَمَّى صَاحِبُ الْهِدَايَةِ الرِّهَانَ مَصْدَرًا كَمَا تَرَى، وَكَذَلِكَ ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي
وَلَنَا فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ مَا ثَبَتَ فِي قَوَانِينِ اللُّغَةِ كَالْجَمْهَرَةِ وَدِيوَانِ الْأَدَبِ وَغَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: الرِّهَانُ جَمْعُ رَهْنٍ، وَجَمْعُ الرَّهْنِ رُهُونٌ وَرِهَانٌ وَرُهُنٌ بِضَمَّتَيْنِ، وَالرَّهِينَةُ بِمَعْنَى الرَّهْنِ أَيْضًا وَجَمْعُهَا رَهَائِنُ
نَعَمْ الرِّهَانُ يَجِيءُ مَصْدَرًا مِنْ قَوْلِهِمْ رَاهَنَهُ عَلَى كَذَا: أَيْ خَاطَرَهُ مُرَاهَنَةً وَرِهَانًا مِنْ بَابِ الْمُفَاعَلَةِ، وَلَكِنْ لَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ، وَلَوْ كَانَ الْمَصْدَرُ هُوَ الْمُرَادَ فِي الْآيَةِ لَمْ يَحْتَجْ فِي صِفَةِ الرِّهَانِ إلَى تَاءِ التَّأْنِيثِ فَافْهَمْ، إلَى هُنَا لَفْظُهُ
وَقَالَ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ: فِي تَسْمِيَتِهِ الرِّهَانَ بِالْمَصْدَرِ نَظَرٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute