الْمَالِ الَّذِي رَهَنَهُ بِهِ، فَكَذَا الْجَوَابُ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ: وَفِي الزِّيَادَاتِ: لَهُ أَنْ يَقْبِضَهُ إذَا أَدَّى مَا سَمَّى لَهُ
وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْعَقْدَ مُتَّحِدٌ لَا يَتَفَرَّقُ التَّسْمِيَةَ كَمَا فِي الْمَبِيعِ
وَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى الِاتِّحَادِ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْعَقْدَيْنِ لَا يَصِيرُ مَشْرُوطًا فِي الْآخَرِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ قَبِلَ الرَّهْنَ فِي أَحَدِهِمَا جَازَ.
أَوْ الرَّاهِنِ مُتَعَدِّدًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، فَحِينَئِذٍ يَنْتَظِمُ وَجْهُ الْفَصْلِ جَمِيعَ الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْفَصْلِ كَمَا تَرَى (قَوْلُهُ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ قَبِلَ الرَّهْنَ فِي أَحَدِهِمَا جَازَ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ: وَحَاصِلُهُ أَنَّ الصَّفْقَةَ تَتَفَرَّقُ فِي بَابِ الرَّهْنِ بِتَفَرُّقِ التَّسْمِيَةِ، فَكَأَنَّهُ رَهَنَ كُلَّ عَبْدٍ بِعَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهَا لَا تَتَفَرَّقُ فِيهِ بِتَفَرُّقِ التَّسْمِيَةِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ عَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِخَمْسِمِائَةٍ فَقَبِلَ الْمُشْتَرِي الْعَقْدَ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ لَمْ يَجُزْ كَمَا فِي حَالَةِ الْإِجْمَالِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ عَقْدُ تَمْلِيكٍ، وَالْهَلَاكُ قَبْلَ الْقَبْضِ يُبْطِلُهُ فَبَعْدَمَا نَقَدَ بَعْضَ الثَّمَنِ لَوْ تَمَكَّنَ مِنْ قَبْضِ بَعْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَدَّى إلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ بِأَنْ يَهْلِكَ مَا بَقِيَ فَيَنْفَسِخَ الْبَيْعُ فِيهِ، بِخِلَافِ الرَّهْنِ فَإِنَّهُ بِالْهَلَاكِ يَنْتَهِي حُكْمُ الرَّهْنِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، كَمَا أَنَّ بِالِافْتِكَاكِ يَنْتَهِي حُكْمُ الرَّهْنِ، فَلَوْ تَمَكَّنَ مِنْ اسْتِرْدَادِ الْبَعْضِ عِنْدَ قَضَاءِ بَعْضِ الدَّيْنِ لَمْ يُؤَدِّ ذَلِكَ إلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِيهِ أَنْ يَهْلِكَ مَا بَقِيَ فَيَنْتَهِيَ حُكْمُ الرَّهْنِ فِيهِ انْتَهَى
أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ، وَهُوَ أَنَّ حَاصِلَ كَلَامِهِمَا الِاسْتِدْلَال عَلَى أَنَّ الصَّفْقَةَ تَتَفَرَّقُ فِي بَابِ الرَّهْنِ بِتَفَرُّقِ التَّسْمِيَةِ، وَلَا تَتَفَرَّقُ فِي بَابِ الْبَيْعِ بِذَلِكَ بِدَلِيلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا إنِّيٌّ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ رَهَنَ عَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ وَسَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَيْئًا مِنْ الْأَلْفِ فَقَبِلَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ جَازَ، وَإِنْ بَاعَهُمَا بِأَلْفٍ وَسَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَيْئًا مِنْ الْأَلْفِ فَقَبِلَ الْمُشْتَرِي الْعَقْدَ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ لَمْ يَجُزْ
وَثَانِيهِمَا لَمِّيٌّ وَهُوَ مَا ذَكَرَاهُ بِقَوْلِهِمَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ عَقْدُ تَمْلِيكٍ إلَخْ، وَالْأَوَّلُ مِنْهُمَا سَالِمٌ وَالثَّانِي مَنْظُورٌ فِيهِ عِنْدِي؛ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْمَحْذُورَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ الْوَاحِدَةِ دُونَ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ الْمُتَفَرِّقَةِ فِي الْأَصْلِ، وَأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِي إثْبَاتِ أَنَّ الصَّفْقَةَ تَتَفَرَّقُ بِتَفَرُّقِ التَّسْمِيَةِ فِي بَابِ الرَّهْنِ وَلَا تَتَفَرَّقُ بِذَلِكَ فِي بَابِ الْبَيْعِ، فَالتَّأَدِّي إلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي بَابِ الْبَيْعِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَتَمَكَّنَ الْمُشْتَرِي مِنْ قَبْضِ بَعْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بَعْدَمَا نَقَدَ بَعْضَ الثَّمَنِ إنَّمَا يَكُونُ مَحْذُورًا عِنْدَ ثُبُوتِ عَدَمِ تَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ بِتَفَرُّقِ التَّسْمِيَةِ فِي بَابِ الْبَيْعِ وَلَمْ يَثْبُتْ بَعْدُ، بَلْ هُوَ أَوَّلُ مَنْ قَصَدَ إثْبَاتَهُ هَا هُنَا بِقَوْلِهِمَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ عَقْدُ تَمْلِيكٍ إلَخْ فَابْتِنَاءُ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ مُصَادَرَةٌ عَلَى الْمَطْلُوبِ
فَالْوَجْهُ الظَّاهِرُ فِي لَمِّيَّةِ الْفَرْقِ بَيْنَ بَابَيْ الرَّهْنِ وَالْبَيْعِ فِي تَفَرُّقِ أَحَدِهِمَا بِتَفَرُّقِ التَّسْمِيَةِ دُونَ الْآخَرِ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكَافِي حَيْثُ قَالَ: وَإِنَّمَا افْتَرَقَا؛ لِأَنَّ ضَمَّ الرَّدِيءِ إلَى الْجَيِّدِ مُتَعَارَفٌ فِي الْبَيْعِ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ فِي الرَّهْنِ، فَلَوْ تَفَرَّقَ الْبَيْعُ بِتَفَرُّقِ التَّسْمِيَةِ كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَقْبَلَ فِي أَحَدِهِمَا فَيَقْبَلَ الْجَيِّدَ فَيَتَضَرَّرَ بِهِ الْبَائِعُ، وَلَوْ تَفَرَّقَ الرَّهْنُ بِتَفَرُّقِ التَّسْمِيَةِ لَمْ يَتَضَرَّرْ بِهِ الرَّاهِنُ، وَلِأَنَّ فِي الْبَيْعِ إذَا جُمِعَ بَيْنَهُمَا لَوْ تَفَرَّقَتْ الصَّفْقَةُ تَصِيرُ الثَّانِيَةُ شَرْطًا فِي الْأُولَى وَهُوَ شَرْطٌ فَاسِدٌ، وَالْبَيْعُ يَفْسُدُ بِهِ، أَمَّا الرَّهْنُ فَلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute