للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لَهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ إتْيَانُهُ بِالْمُسْتَحَقِّ وَهُوَ الْجَوَابُ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَيَخْتَصُّ بِهِ

وَالْأَسْرَارِ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: فَكَانَ مُجَوِّزُهُ التَّضَادَّ وَهُوَ مُجَوِّزٌ لُغَوِيٌّ لِمَا قَرَّرْنَا فِي التَّقْرِيرِ أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ مُجَوِّزًا شَرْعِيًّا. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ مُجَوِّزَهُ الْمُشَاكَلَةُ.

أَقُولُ: لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ يَعْرِفُ حَقِيقَةَ الْمُشَاكَلَةِ وَيُتْقِنُ النَّظَرَ فِي مَبَاحِثِهَا أَنَّ الْمُشَاكَلَةَ بِمَعْزِلٍ عَمَّا نَحْنُ فِيهِ، وَإِنَّمَا غَرَّهُ تَمْثِيلُهُمْ مَا نَحْنُ فِيهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾ قَوْله تَعَالَى ﴿فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾ وَلَكِنَّ جَوَازَ الْمُشَاكَلَةِ أَيْضًا فِي ذَيْنِك الْمَوْضِعَيْنِ مِنْ النَّظْمِ الشَّرِيفِ لَا يَقْتَضِي جَوَازَهُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، تَأَمَّلْ تَقِفْ (أَوْ لِأَنَّهُ) أَيْ الْخُصُومَةُ عَلَى تَأْوِيلِ التَّخَاصُمِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا. وَقَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: أَوْ لِأَنَّهَا (سَبَبٌ لَهُ) أَيْ لِإِقْرَارٍ، وَقَدْ سُمِّيَ الْمُسَبَّبُ بِاسْمِ السَّبَبِ كَمَا يُقَالُ صَلَاةُ الْعِيدِ سُنَّةٌ مَعَ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا تَثْبُتُ بِالسُّنَّةِ، وَكَمَا يُسَمَّى جَزَاءُ السَّيِّئَةِ سَيِّئَةً إطْلَاقًا لِاسْمِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ فَكَانَ الْمُجَوِّزُ السَّبَبِيَّةَ. قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَهُوَ مُجَوِّزٌ شَرْعِيٌّ نَظِيرُ الِاتِّصَالِ الصُّورِيِّ فِي اللُّغَوِيِّ كَمَا عُرِفَ (لِأَنَّ الظَّاهِرَ إتْيَانُهُ) أَيْ إتْيَانُ الْخَصْمِ (بِالْمُسْتَحَقِّ) فَتَكُونُ الْخُصُومَةُ سَبَبًا لَهُ حَيْثُ أَفْضَى إلَيْهِ ظَاهِرًا، كَذَا ذَكَرَهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ وَاخْتَارَهُ الْعَيْنِيُّ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ قَوْلُهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ إلَخْ تَعْلِيلًا لِقَوْلِهِ أَوْ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لَهُ.

وَقِيلَ هُوَ تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ وَالْإِقْرَارُ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ خُصُومَةٌ مَجَازًا بِمُلَاحَظَةِ الْقَصْرِ فِي التَّقْيِيدِ بِقَوْلِهِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ: يَعْنِي لَا الْإِقْرَارُ فِي غَيْرِهِ فَتَأَمَّلْ اهـ. وَيُشْعِرُ بِهِ تَحْرِيرُ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا اخْتِصَاصُهُ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَلِأَنَّ الظَّاهِرَ إتْيَانُهُ بِالْمُسْتَحَقِّ إلَخْ فَتَفَكَّرْ (وَهُوَ) أَيْ الْمُسْتَحَقُّ (الْجَوَابُ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ) لَا غَيْرُ (فَيَخْتَصُّ بِهِ) أَيْ فَيَخْتَصُّ جَوَابُ الْخُصُومَةِ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَلَوْ قَالَ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ إتْيَانُهُ بِالْمُسْتَحَقِّ بَدَلٌ لِأَنَّ الظَّاهِرَ كَانَ أَوْ فِي تَأْدِيَةٍ لِلْمَقْصُودِ انْتَهَى. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: إنَّمَا لَمْ يَقُلْ لِأَنَّ الْوَاجِبَ إلَخْ لِتَطَرُّقِ الْمَنْعِ عَلَى دَعْوَى الْوُجُوبِ، وَسَنَدُهُ مَا مَرَّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْوِكَالَةِ مِنْ الشَّارِحِ حَيْثُ بَيَّنَ حُكْمَهَا انْتَهَى.

أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ مَدَارَهُ عَلَى زَعْمِ أَنَّ ضَمِيرَ " عَلَيْهِ " وَ " إتْيَانُهُ " فِي قَوْلِهِ " لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ إتْيَانُهُ بِالْمُسْتَحَقِّ " رَاجِعٌ إلَى الْوَكِيلِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ وَكِيلٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ رَاجِعٌ إلَى الْخَصْمِ وَهُوَ الْمُوَكِّلُ حَقِيقَةً، وَإِنْ عُدَّ الْوَكِيلُ أَيْضًا خَصْمًا لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ فَالْوُجُوبُ هَاهُنَا يَصِيرُ حُكْمُ الْخُصُومَةِ لَا حُكْمُ الْوِكَالَةِ، وَوُجُوبُ الْجَوَابِ عَلَى الْخَصْمِ بِمَا لَا يَقْبَلُ الْمَنْعَ قَطْعًا، وَمَا مَرَّ مِنْ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْوِكَالَةِ وَهُوَ جَوَازُ مُبَاشَرَةِ الْوَكِيلِ مَا فُوِّضَ إلَيْهِ إنَّمَا هُوَ حُكْمُ الْوِكَالَةِ، وَذَلِكَ لَا يُنَافِي كَوْنَ الْوُجُوبِ الْمَذْكُورِ هَاهُنَا حُكْمُ الْخُصُومَةِ فَلَا يَكَادُ يَصْلُحُ سَنَدًا لِمَنْعِ ذَلِكَ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْوَكِيلِ كَثِيرٌ مِنْ أَحْكَامِ مَا بَاشَرَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>