للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَكِنْ إذَا أُقِيمَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى إقْرَارِهِ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ يَخْرُجُ مِنْ الْوِكَالَةِ حَتَّى لَا يُؤْمَرَ بِدَفْعِ الْمَالِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ صَارَ مُنَاقِضًا وَصَارَ كَالْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ إذَا أَقَرَّ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ لَا يَصِحُّ وَلَا يَدْفَعُ الْمَالَ إلَيْهِمَا.

بِالْوِكَالَةِ كَمَا قَالُوا كُلُّ عَقْدٍ يُضِيفُهُ الْوَكِيلُ إلَى نَفْسِهِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَغَيْرِهِمَا فَحُقُوقُهُ تَجِبُ عَلَى الْوَكِيلِ دُونَ الْمُوَكِّلِ مَعَ إطْبَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْوِكَالَةِ جَوَازُ مُبَاشَرَةِ الْوَكِيلِ مَا فُوِّضَ إلَيْهِ.

فَالتَّوْفِيقُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ أَنَّ الْوُجُوبَ حُكْمُ مَا بَاشَرَهُ، وَالْجَوَازُ حُكْمُ أَصْلِ الْوِكَالَةِ فَلَا تَغْفُلْ (لَكِنْ إذَا أُقِيمَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى إقْرَارِهِ) أَيْ عَلَى إقْرَارِ الْوَكِيلِ (فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ يَخْرُجُ مِنْ الْوِكَالَةِ) هَذَا اسْتِدْرَاكٌ مِنْ قَوْلِهِ فَيَخْتَصُّ بِهِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى دَفْعِ مَا يُقَالُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْإِقْرَارُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ جَوَابًا كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ مُعْتَبَرًا وَلَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ الْوِكَالَةِ، وَمَعْنَاهُ لَكِنْ إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ أَقَرَّ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي خَرَجَ مِنْ الْوِكَالَةِ (حَتَّى لَا يُؤْمَرَ) أَيْ لَا يُؤْمَرَ الْخَصْمُ (بِدَفْعِ الْمَالِ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْوَكِيلِ (لِأَنَّهُ صَارَ مُنَاقِضًا) فِي كَلَامِهِ حَيْثُ كَذَّبَ نَفْسَهُ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَالْمُنَاقِضُ لَا دَعْوَى لَهُ.

قَالَ فِي الْكَافِي: حَتَّى لَا يُؤْمَرَ بِدَفْعِ الْمَالِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَبْقَى وَكِيلًا بِمُطْلَقِ الْجَوَابِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْإِنْكَارَ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُنَاقِضًا فِي كَلَامِهِ، فَلَوْ بَقِيَ وَكِيلًا بَقِيَ وَكِيلًا بِجَوَابٍ مُقَيَّدٍ وَهُوَ الْإِقْرَارُ وَمَا وَكَّلَهُ بِجَوَابٍ مُقَيَّدٍ وَإِنَّمَا وَكَّلَهُ بِالْجَوَابِ مُطْلَقًا انْتَهَى (وَصَارَ) أَيْ صَارَ الْوَكِيلُ الْمُقِرُّ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ (كَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ إذَا أَقَرَّ) أَيْ أَقَرَّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا (فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ) فَإِنَّهُ (لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ وَلَا يَدْفَعُ الْمَالَ إلَيْهِ)، بَيَانُ أَنَّ الْأَبَ أَوْ الْوَصِيَّ إذَا ادَّعَى شَيْئًا لِلصَّغِيرِ فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَصَدَّقَهُ الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ ثُمَّ جَاءَ يَدَّعِي الْمَالَ فَإِنَّ إقْرَارَهُمَا لَا يَصِحُّ (وَلَا يَدْفَعُ الْمَالَ إلَيْهِمَا) لِأَنَّهُمَا خَرَجَا مِنْ الْوِلَايَةِ وَالْوِصَايَةِ فِي حَقِّ ذَلِكَ الْمَالِ بِسَبَبِ إقْرَارِهِمَا بِمَا قَالَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَكَذَلِكَ هَاهُنَا، كَذَا ذُكِرَ فِي أَكْثَرِ الشُّرُوحِ، وَالْأَحْسَنُ مَا ذُكِرَ فِي الْكِفَايَةِ مِنْ أَنَّ الْأَبَ وَالْوَصِيَّ إذَا أَقَرَّا عَلَى الْيَتِيمِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ أَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُمَا عَلَيْهِ، وَلَكِنْ لَا يَدْفَعُ الْمَالَ إلَيْهِمَا لِزَعْمِهِمَا بُطْلَانَ حَقِّ الْآخِذِ، وَإِنَّمَا لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُمَا لِأَنَّ وِلَايَتَهُمَا نَظَرِيَّةٌ وَلَا نَظَرَ فِي الْإِقْرَارِ عَلَى الصَّغِيرِ انْتَهَى.

وَاعْلَمْ أَنَّ حَاصِلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَعْنِي مَسْأَلَةَ التَّوْكِيلِ بِالْخُصُومَةِ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلِ أَنْ يُوَكِّلَهُ بِالْخُصُومَةِ وَلَا يَتَعَرَّضُ لِشَيْءٍ آخَرَ، وَفِي هَذَا الْوَجْهِ يَصِيرُ وَكِيلًا بِالْإِنْكَارِ بِالْإِجْمَاعِ وَيَصِيرُ وَكِيلًا بِالْإِقْرَارِ أَيْضًا عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ. الثَّانِي أَنْ يُوَكِّلَهُ بِالْخُصُومَةِ غَيْرَ جَائِزِ الْإِقْرَارِ، وَفِي هَذَا الْوَجْهِ يَصِيرُ وَكِيلًا بِالْإِنْكَارِ، لِأَنَّ بِاسْتِثْنَاءِ الْإِقْرَارِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْوَكِيلَ مَا يَتَنَاوَلُ نَفْسَ الْجَوَابِ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ جَوَابًا مُقَيَّدًا بِالْإِنْكَارِ، هَكَذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي الْأَصْلِ، وَذَكَرَ الْإِمَامُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ أَنَّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا يَصِحُّ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَصِحُّ.

وَهَكَذَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ وِكَالَةِ الْأَصْلِ، وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى أَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْإِقْرَارِ مِنْ الطَّالِبِ يَصِحُّ وَمِنْ الْمَطْلُوبِ لَا يَصِحُّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ. الثَّالِثِ أَنْ يُوَكِّلَهُ بِالْخُصُومَةِ غَيْرَ جَائِزِ الْإِنْكَارِ، وَفِي هَذَا الْوَجْهِ يَصِيرُ وَكِيلًا بِالْإِقْرَارِ، وَيَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ.

الرَّابِعِ أَنْ يُوَكِّلَهُ بِالْخُصُومَةِ جَائِزَ الْإِقْرَارِ عَلَيْهِ وَفِي هَذَا الْوَجْهِ يَصِيرُ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ وَالْإِقْرَارِ، حَتَّى لَوْ أَقَرَّ صَحَّ إقْرَارُهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ، وَيَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْإِقْرَارِ صَحِيحٌ عِنْدَنَا، وَلَا يَصِيرُ الْمُوَكِّلُ مُقِرًّا بِنَفْسِ التَّوْكِيلِ عِنْدَنَا، ذَكَرَ مُحَمَّدٌ الْمَسْأَلَةَ فِي بَابِ الْوِكَالَةِ بِالصُّلْحِ. الْخَامِسِ أَنْ يُوَكِّلَهُ بِالْخُصُومَةِ غَيْرَ جَائِزِ الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ، وَلَا رِوَايَةَ فِي هَذَا الْوَجْهِ عَنْ أَصْحَابِنَا، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِيهِ: بَعْضُهُمْ قَالُوا لَا يَصِحُّ هَذَا التَّوْكِيلُ أَصْلًا لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْخُصُومَةِ تَوْكِيلٌ بِجَوَابِ الْخُصُومَةِ، وَجَوَابُ الْخُصُومَةِ إقْرَارٌ وَإِنْكَارٌ، فَإِذَا اسْتَثْنَى كِلَاهُمَا لَمْ يُفَوِّضْ إلَيْهِ شَيْئًا.

وَحَكَى عَنْ الْقَاضِي الْإِمَامِ صَاعِدٍ النَّيْسَابُورِيِّ أَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>