وَلَا يُتَيَقَّنُ بِعَدَمِ قَصْدِ الْوَلِيِّ بَعْدَ أَخْذِ الْمَالِ فَلَا يَتَعَيَّنُ مَدْفَعًا لِلْهَلَاكِ،
الْمُصَنِّفِ هَا هُنَا شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ أَنَّ مَرْجِعَ الْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي عِلْمِ الْفِقْهِ بِأَسْرِهَا إلَى الْقِيَاسِ، وَبِهَذَا صَحَّحُوا انْحِصَارَ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ فِي أَرْبَعَةٍ، وَهِيَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ وَالْقِيَاسُ
فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ هَا هُنَا وَلِأَنَّ الْجِنَايَةَ بِهَا تَتَكَامَلُ إلَخْ رَاجِعٌ إلَى الْقِيَاسِ، وَتَقْيِيدُ الْكِتَابِ بِالْقِيَاسِ نَسْخٌ لِإِطْلَاقِ الْكِتَابِ بِالْقِيَاسِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ كَمَا عُرِفَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَلَا يُتَيَقَّنُ بِعَدَمِ قَصْدِ الْوَلِيِّ بَعْدَ أَخْذِ الْمَالِ فَلَا يَتَعَيَّنُ مَدْفَعًا لِلْهَلَاكِ) يَعْنِي لَا يَتَيَقَّنُ بِعَدَمِ قَصْدِ الْوَلِيِّ لِقَتْلِ الْقَاتِلِ بَعْدَ مَا أَخَذَ الدِّيَةَ لِجَوَازِ أَنْ يَأْخُذَهَا الْوَلِيُّ مِنْ الْقَاتِلِ بِدُونِ رِضَاهَا ثُمَّ يَقْتُلَهُ
وَهَذَا جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ مَدْفَعًا لِلْهَلَاكِ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ
أَقُولُ: لِلْخَصْمِ أَنْ يَقُولَ: لَا شَكَّ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ مَدْفَعًا لِلْهَلَاكِ شَرْعًا، فَإِنَّ الْقَاتِلَ يَصِيرُ مَحْقُونَ الدَّمِ بَعْدَهُ، حَتَّى لَوْ قَتَلَهُ الْوَلِيُّ بَعْدَهُ يُقْتَصُّ مِنْهُ، وَكَوْنُهُ مَدْفَعًا لِلْهَلَاكِ شَرْعًا يَكْفِي لِأَخْذِ الدِّيَةِ مِنْ الْقَاتِلِ بِدُونِ رِضَاهُ؛ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْقَاتِلَ لَا يَخْتَارُ الْهَلَاكَ الْمُقَرَّرَ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْخَلَاصِ عَنْهُ شَرْعًا بِأَدَاءِ الْمَالِ بِمُجَرَّدِ احْتِمَالِ الْهَلَاكِ عَقْلًا بَعْدَ أَدَاءِ ذَلِكَ أَيْضًا، فَلَوْ اخْتَارَهُ الْقَاتِلُ وَامْتَنَعَ عَنْ أَدَاءِ الْمَالِ يُعَدُّ ذَلِكَ سَفَهًا وَإِلْقَاءً لِنَفْسِهِ فِي التَّهْلُكَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْجَرَ عَلَيْهِ
ثُمَّ أَقُولُ: لَعَلَّ الْأَوْلَى فِي الْجَوَابِ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ: لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ مَدْفَعًا لِلْهَلَاكِ أَنْ يُقَالَ: هَذَا تَعْلِيلٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ كَمَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ
قَالَ فِي الْعِنَايَةِ أَخْذًا مِنْ النِّهَايَةِ: قِيلَ هَذَا الْوَهْمُ مَوْجُودٌ فِيمَا أَخَذَ الْمَالَ صُلْحًا وَقَدْ جَازَ
وَأُجِيبُ بِأَنَّ فِي الصُّلْحِ الْمُرَاضَاةَ، وَالْقَتْلُ بَعْدَهُ ظَاهِرُ الْعَدَمِ انْتَهَى
وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ رِضَا الْقَاتِلِ لَا يُفِيدُ وَرِضَا الْوَلِيِّ مَوْجُودٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute