للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَمَالِكٌ وَإِنْ أَنْكَرَ مَعْرِفَةَ شِبْهِ الْعَمْدِ فَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا أَسْلَفْنَاهُ

قَالَ (وَالْخَطَأُ عَلَى نَوْعَيْنِ: خَطَأٌ فِي الْقَصْدِ، وَهُوَ أَنْ يَرْمِيَ شَخْصًا يَظُنُّهُ صَيْدًا، فَإِذَا هُوَ آدَمِيٌّ، أَوْ يَظُنُّهُ حَرْبِيًّا فَإِذَا هُوَ مُسْلِمٌ وَخَطَأٌ فِي الْفِعْلِ، وَهُوَ أَنْ يَرْمِيَ غَرَضًا فَيُصِيبَ آدَمِيًّا، وَمُوجَبُ ذَلِكَ الْكَفَّارَةُ، وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ﴾ الْآيَةَ، وَهِيَ عَلَى عَاقِلَتِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ،

الْحُكْمِ هُوَ شِبْهَ الْعَمْدِ لَا الْخَطَأَ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَمَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَإِنْ أَنْكَرَ مَعْرِفَةَ شِبْهِ الْعَمْدِ فَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا أَسْلَفْنَاهُ) قَالَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ: أَرَادَ بِهِ قَوْلَهُ «أَلَا إنَّ قَتِيلَ خَطَإِ الْعَمْدِ قَتِيلُ السَّوْطِ وَالْعَصَا» وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ نَقْلِ ذَلِكَ: وَلَكِنْ الْمَعْهُودُ مِنْ الْمُصَنِّفِ فِي مِثْلِهِ أَنْ يَقُولَ مَا رَوَيْنَاهُ، وَقَالَ: وَالْحَقُّ أَنْ يُقَالَ: إنَّمَا قَالَ أَسْلَفْنَاهُ نَظَرًا إلَى الْحَدِيثِ وَالْمَعْنَى الْمَعْقُولِ انْتَهَى

أَقُولُ: فِيهِ كَلَامٌ، وَهُوَ أَنَّ حَاصِلَ الْمَعْنَى الْمَعْقُولِ عَلَى مَا قَرَّرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِيمَا قَبْلُ قِيَاسُ الْعَصَا الْكَبِيرَةِ عَلَى الْعَصَا الصَّغِيرَةِ فِي كَوْنِهِمَا غَيْرَ مَوْضُوعَتَيْنِ لِلْقَتْلِ وَلَا مُسْتَعْمَلَتَيْنِ لَهُ، وَمَالِكٌ مُنْكِرٌ كَوْنَ الْقَتْلِ بِالْعَصَا الصَّغِيرَةِ أَيْضًا شِبْهَ عَمْدٍ، فَإِنَّهُ قَالَ: لَا أَدْرِي مَا شِبْهُ الْعَمْدِ، وَإِنَّمَا الْقَتْلُ نَوْعَانِ: عَمْدٌ، وَخَطَأٌ؛ إذْ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا فِي سَائِرِ الْأَفْعَالِ فَكَذَا فِي هَذَا الْفِعْلِ فَكَيْفَ يَكُونُ الْمَعْنَى الْمَعْقُولُ الْمَذْكُورُ حُجَّةً عَلَيْهِ

(قَوْلُهُ: وَالْخَطَأُ عَلَى نَوْعَيْنِ: خَطَأٌ فِي الْقَصْدِ، وَهُوَ أَنْ يَرْمِيَ شَخْصًا يَظُنُّهُ صَيْدًا فَإِذَا هُوَ آدَمِيٌّ، أَوْ يَظُنَّهُ حَرْبِيًّا فَإِذَا هُوَ مُسْلِمٌ، وَخَطَأٌ فِي الْفِعْلِ وَهُوَ أَنْ يَرْمِيَ غَرَضًا فَيُصِيبَ آدَمِيًّا) أَقُولُ: فِي عِبَارَةِ الْكِتَابِ هَا هُنَا تَسَامُحٌ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي تَفْسِيرِ الْخَطَإِ فِي الْقَصْدِ: وَهُوَ أَنْ يَرْمِيَ شَخْصًا يَظُنُّهُ صَيْدًا إلَخْ

وَقَالَ فِي تَفْسِيرِ الْخَطَإِ فِي الْفِعْلِ: وَهُوَ أَنْ يَرْمِيَ غَرَضًا فَيُصِيبَ آدَمِيًّا

وَلَا يَخْفَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ نَوْعَيْ الْخَطَإِ غَيْرُ مُنْحَصِرٍ بِمَا ذَكَرَهُ فِي تَفْسِيرِهِ، بَلْ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي تَفْسِيرِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جُزْئِيٌّ مِنْ جُزْئِيَّاتِهِ فَكَانَ أَخَصَّ مِنْهُ جِدًّا فَلَمْ يَصْلُحْ لَأَنْ يَكُونَ تَفْسِيرًا لَهُ، فَكَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَهُوَ نَحْوُ أَنْ يَرْمِيَ أَوْ هُوَ كَأَنْ يَرْمِيَ إشَارَةً إلَى الْعُمُومِ، كَمَا تَدَارَكَهُ صَاحِبُ الْوِقَايَةِ حَيْثُ قَالَ: وَفِي الْخَطَإِ قَصْدًا كَرَمْيِهِ مُسْلِمًا ظَنَّهُ صَيْدًا أَوْ حَرْبِيًّا وَفِعْلًا كَرَمْيِهِ غَرَضًا فَأَصَابَ آدَمِيًّا انْتَهَى

ثُمَّ إنَّ صَدْرَ الشَّرِيعَةِ قَالَ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ: الْخَطَأُ ضَرْبَانِ: خَطَأٌ فِي الْقَصْدِ، وَخَطَأٌ فِي الْفِعْلِ

فَالْخَطَأُ فِي الْفِعْلِ أَنْ يَقْصِدَ فِعْلًا فَصَدَرَ مِنْهُ فِعْلٌ آخَرُ، كَمَا إذَا رَمَى الْغَرَضَ فَأَخْطَأَ وَأَصَابَ غَيْرَهُ وَالْخَطَأُ فِي الْقَصْدِ أَنْ لَا يَكُونَ الْخَطَأُ فِي الْفِعْلِ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْخَطَأُ فِي قَصْدِهِ، فَإِنَّهُ قَصَدَ بِهَذَا الْفِعْلِ حَرْبِيًّا لَكِنْ أَخْطَأَ فِي ذَلِكَ الْقَصْدِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مَا قَصَدَهُ انْتَهَى

وَرَدَّ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْإِصْلَاحِ وَالْإِيضَاحِ حَيْثُ قَالَ: مَنْ قَالَ الْخَطَأُ فِي الْفِعْلِ أَنْ لَا يَصْدُرَ عَنْهُ الْفِعْلُ الَّذِي قَصَدَهُ بَلْ يَصْدُرُ فِعْلٌ آخَرُ فَكَأَنَّهُ زَعَمَ أَنَّهُ شَرَطَ فِي الْخَطَإِ فِي الْفِعْلِ أَنْ لَا يَصْدُرَ عَنْهُ الْفِعْلُ الَّذِي قَصَدَهُ بَلْ يَصْدُرُ عَنْهُ فِعْلٌ آخَرُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ إذَا رَمَى غَرَضًا فَأَصَابَهُ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ أَوْ تَجَاوَزَ عَنْهُ إلَى مَا وَرَاءَهُ فَأَصَابَ رَجُلًا يَتَحَقَّقُ الْخَطَأُ فِي الْفِعْلِ، وَالشَّرْطُ الْمَذْكُورُ مَفْقُودٌ فِي الصُّورَتَيْنِ، ثُمَّ إنَّهُ أَخْطَأَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ اعْتَبَرَ الْقَصْدَ فِيهِ وَذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ، فَإِنَّهُ إذَا سَقَطَ مِنْ يَدِهِ خَشَبَةٌ أَوْ لَبِنَةٌ فَقَتَلَ رَجُلًا يَتَحَقَّقُ الْخَطَأُ فِي الْفِعْلِ وَلَا قَصْدَ فِيهِ انْتَهَى

أَقُولُ: كُلٌّ مِنْ وَجْهَيْ رَدِّهِ سَاقِطٌ جِدًّا

أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ صَدْرَ الشَّرِيعَةِ لَمْ يَشْتَرِطْ فِي الْخَطَإِ فِي الْفِعْلِ أَنْ لَا يَصْدُرَ عَنْهُ الْفِعْلُ الَّذِي قَصَدَهُ، بَلْ قَالَ: فَالْخَطَأُ فِي الْفِعْلِ أَنْ يَقْصِدَ فِعْلًا فَصَدَرَ عَنْهُ فِعْلٌ آخَرُ، وَهَذَا أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَصْدُرَ عَنْهُ الْفِعْلُ الَّذِي قَصَدَهُ كَمَا صَدَرَ عَنْهُ فِعْلٌ آخَرُ، وَمِنْ أَنْ لَا يَصْدُرَ عَنْهُ الْفِعْلُ الَّذِي قَصَدَهُ

مِثَالُ الْأَوَّلِ مَا ذَكَرَهُ الرَّادُّ مِنْ الصُّورَتَيْنِ، وَمِثَالُ الثَّانِي: وَهُوَ الْأَكْثَرُ وُقُوعًا مَا ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ بِقَوْلِهِ كَمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>