للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ (وَمُوجِبُ ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْإِثْمُ)؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ وَهُوَ قَاصِدٌ فِي الضَّرْبِ (وَالْكَفَّارَةُ) لِشَبَهِهِ بِالْخَطَأِ (وَالدِّيَةُ مُغَلَّظَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ) وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ دِيَةٍ وَجَبَتْ بِالْقَتْلِ ابْتِدَاءً لَا بِمَعْنًى يَحْدُثُ مِنْ بُعْدٍ فَهِيَ عَلَى الْعَاقِلَةِ اعْتِبَارًا بِالْخَطَأِ، وَتَجِبُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ لِقَضِيَّةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، وَتَجِبُ مُغَلَّظَةً، وَسَنُبَيِّنُ صِفَةَ التَّغْلِيظِ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَيَتَعَلَّقُ بِهِ حِرْمَانُ الْمِيرَاثِ)؛ لِأَنَّهُ جَزَاءُ الْقَتْلِ، وَالشُّبْهَةُ تُؤَثِّرُ فِي سُقُوطِ الْقِصَاصِ دُونَ حِرْمَانِ الْمِيرَاثِ

لَا يَدُومُ عَذَابُهُمْ، إلَى هُنَا لَفْظُ الْقَاضِي

(قَوْلُهُ وَمُوجِبُ ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْإِثْمُ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ وَهُوَ قَاصِدٌ فِي الضَّرْبِ، وَالْكَفَّارَةُ لِشَبَهِهِ بِالْخَطَإِ) أَقُولُ: الظَّاهِرُ الْمُتَبَادِرُ مِنْ قَوْلِهِ لِشَبَهِهِ بِالْخَطَإِ قِيَاسُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ عَلَى وُجُوبِهَا فِي الْخَطَإِ أَوْ إلْحَاقُ وُجُوبِهَا فِي شِبْهِ الْعَمْدِ دَلَالَةً بِوُجُوبِهَا فِي الْخَطَإِ، وَأَيًّا مَا كَانَ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ إنَّ تَعَيُّنَهَا لِدَفْعِ الذَّنْبِ الْأَدْنَى فِي الشَّرْعِ لَا يُعَيِّنُهَا لِدَفْعِ الذَّنْبِ الْأَعْلَى كَمَا سَبَقَ فِي الْجَوَابِ عَنْ قِيَاسِ الشَّافِعِيِّ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ فِي الْعَمْدِ عَلَى وُجُوبِهَا فِي الْخَطَإِ؛ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ شِبْهَ الْعَمْدِ أَيْضًا أَعْلَى ذَنْبًا مِنْ الْخَطَإِ الْمَحْضِ، فَإِنَّ الْجَانِيَ فِي الْأَوَّلِ قَاصِدٌ فِي الضَّرْبِ بِخِلَافِ الثَّانِي، وَعَنْ هَذَا قَالُوا فِي الْأَوَّلِ: وَمُوجِبُهُ الْمَأْثَمُ وَفِي الثَّانِي وَلَا إثْمَ فِيهِ

فَالْأَوْلَى فِي بَيَانِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكَافِي حَيْثُ قَالَ: وَالْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ خَطَأٌ نَظَرًا إلَى الْآلَةِ، فَدَخَلَ تَحْتَ قَوْله تَعَالَى ﴿وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ﴾ الْآيَةَ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ دِيَةٍ وَجَبَتْ بِالْقَتْلِ ابْتِدَاءً لَا بِمَعْنًى يَحْدُثُ مِنْ بَعْدُ فَهِيَ عَلَى الْعَاقِلَةِ اعْتِبَارًا بِالْخَطَإِ) أَقُولُ: مَدْلُولُ قَوْلِهِ اعْتِبَارًا بِالْخَطَإِ أَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ هُوَ الْخَطَأُ، وَأَنْ يَكُونَ وُجُوبُهَا عَلَيْهِمْ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ ثَابِتًا بِالْقِيَاسِ عَلَى الْخَطَإِ، وَلَيْسَ ذَاكَ بِوَاضِحٍ؛ إذْ الْمُصَنِّفُ قَالَ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْمَعَاقِلِ: وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ «حَمَلِ بْنِ مَالِكِ لِلْأَوْلِيَاءِ قُومُوا فَدُوهُ» انْتَهَى

وَقَدْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ فِي حَدِيثِ حَمَلِ بْنِ مَالِكٍ شِبْهَ عَمْدٍ لَا خَطَأً فَإِنَّ تَفْصِيلَهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشُّرَّاحُ قَاطِبَةً فِي فَصْلِ الْجَنِينِ مِنْ كِتَابِ الدِّيَاتِ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ «حَمَلِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كُنْتُ بَيْنَ ضَرَّتَيْنِ فَضَرَبَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِعَمُودِ فُسْطَاطٍ أَوْ بِمُسَطَّحِ خَيْمَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا، فَاخْتَصَمَ أَوْلِيَاؤُهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ ، فَقَالَ لِأَوْلِيَاءِ الضَّارِبَةِ: دُوهُ، فَقَالَ أَخُوهَا: أَنَدِي مَنْ لَا صَاحَ وَلَا اسْتَهَلَّ، وَلَا شَرِبَ وَلَا أَكَلَ، وَدَمُ مِثْلِهِ يُطَلَّ، فَقَالَ : أَسَجْعٌ كَسَجْعِ الْكُهَّانِ» وَفِي رِوَايَةٍ «دَعْنِي وَأَرَاجِيزَ الْعَرَبِ قُومُوا فَدُوهُ» وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ أَيْضًا، وَلَا رَيْبَ أَنَّ قَضَاءَ رَسُولِ اللَّهِ بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ عَلَى مَا ذَكَرُوا فِي تَفْصِيلِ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ إنَّمَا كَانَ بِجِنَايَةِ شِبْهِ الْعَمْدِ دُونَ الْخَطَإِ، فَكَانَ وُجُوبُ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ ثَابِتًا بِالنَّصِّ دُونَ الْقِيَاسِ، وَكَانَ الْأَصْلُ فِي هَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>