للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْحُرِّ بِطَرَفِهِ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ بِالْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُمَا يَسْتَوِيَانِ، وَبِخِلَافِ الْعَبْدِ حَيْثُ يُقْتَلُ بِالْحُرِّ؛ لِأَنَّهُ تَفَاوُتٌ إلَى نُقْصَانٍ

وَلَنَا أَنَّ الْقِصَاصَ يَعْتَمِدُ الْمُسَاوَاةَ فِي الْعِصْمَةِ وَهِيَ بِالدِّينِ وَبِالدَّارِ وَيَسْتَوِيَانِ فِيهِمَا، وَجَرَيَانُ الْقِصَاصِ بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ يُؤْذِنُ بِانْتِفَاءِ شُبْهَةِ الْإِبَاحَةِ، وَالنَّصُّ تَخْصِيصٌ بِالذِّكْرِ فَلَا يَنْفِي مَا عَدَاهُ

- «الْعَمْدُ قَوَدٌ» وَالدَّلِيلُ الْمَعْقُولُ كَمَا أَفْصَحَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا قَبْلُ حَيْثُ قَالَ: وَالْقَوَدُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى﴾ وَقَالَ: إلَّا أَنَّهُ تَقَيُّدٌ بِوَصْفِ الْعَمْدِيَّةِ لِقَوْلِهِ «الْعَمْدُ قَوَدٌ» أَيْ مُوجِبُهُ، وَلِأَنَّ الْجِنَايَةَ بِهَا تَتَكَامَلُ إلَخْ، فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَنْدَرِجَ قَوْله تَعَالَى ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ﴾ إلَخْ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ هَا هُنَا أَمَّا الْعَمْدِيَّةُ فَلِمَا بَيَّنَّاهُ كَمَا يَقْتَضِيهِ قَوْلُ ذَلِكَ الْبَعْضِ، وَمِنْ قَوْله تَعَالَى ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى﴾ تَبَصَّرْ (قَوْلُهُ وَجَرَيَانُ الْقِصَاصِ بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ يُؤْذِنُ بِانْتِفَاءِ شُبْهَةِ الْإِبَاحَةِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ: فَإِنْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: جَازَ أَنْ تَكُونَ شُبْهَةُ الْإِبَاحَةِ مَانِعَةً، وَهِيَ ثَابِتَةٌ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ أَثَرُ الْكُفْرِ وَحَقِيقَةُ الْكُفْرِ تَمْنَعُ مِنْهُ كَمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْمُسْتَأْمَنِ فَكَذَا أَثَرُهُ

أَجَابَ بِقَوْلِهِ: وَجَرَيَانُ الْقِصَاصِ وَمَعْنَاهُ لَا يَصْلُحُ ذَلِكَ مَانِعًا؛ إذْ لَوْ صَحَّ لَمَا جَرَى بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ كَمَا لَا يَجْرِي بَيْنَ الْمُسْتَأْمَنِينَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ اهـ

أَقُولُ: هَذَا الشَّرْحُ لَا يُطَابِقُ الْمَشْرُوحَ؛ لِأَنَّ حَاصِلَهُ مَنْعُ مَانِعِيَّةِ شُبْهَةِ الْإِبَاحَةِ عَنْ الْقِصَاصِ

وَحَاصِلُ الْمَشْرُوحِ مَنْعُ ثُبُوتِ شُبْهَةِ الْإِبَاحَةِ فِي الْعَبْدِ، وَمِنْ النَّصِّ فِيهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ يُؤْذِنُ بِانْتِفَاءِ شُبْهَةِ الْإِبَاحَةِ

فَالصَّوَابُ فِي الشَّرْحِ أَنْ يُقَالَ: وَمَعْنَاهُ أَنَّ شُبْهَةَ الْإِبَاحَةِ غَيْرُ ثَابِتَةٍ فِي الْعَبْدِ وَإِلَّا لَمَا جَرَى بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ كَمَا لَا يَجْرِي بَيْنَ الْمُسْتَأْمَنِينَ (قَوْلُهُ: وَالنَّصُّ تَخْصِيصٌ بِالذَّكَرِ فَلَا يَنْفِي مَا عَدَاهُ) هَذَا جَوَابٌ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ الْخَصْمُ مِنْ مُقَابَلَةِ الْحُرِّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدِ بِالْعَبْدِ فِي الْآيَةِ

وَوَجْهُهُ أَنَّ ذَلِكَ تَخْصِيصٌ بِالذِّكْرِ، وَهُوَ لَا يَنْفِي مَا عَدَاهُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى ﴿وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى﴾ فَإِنَّهُ لَا يَنْفِي أَنْ يُقْتَلَ الْأُنْثَى بِالذَّكَرِ وَلَا الْعَكْسُ بِالْإِجْمَاعِ

وَفَائِدَةُ التَّخْصِيصِ الرَّدُّ عَلَى مَنْ أَرَادَ قَتْلَ غَيْرِ الْقَاتِلِ بِالْمَقْتُولِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ

وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ قَبِيلَتَيْنِ مِنْ الْعَرَبِ اقْتَتَلَتَا وَكَانَتْ إحْدَاهُمَا تَدَّعِي الْفَضْلَ عَلَى الْأُخْرَى فَقَالَتْ: لَا نَرْضَى إلَّا بِقَتْلِ الذَّكَرِ مِنْهُمْ بِالْأُنْثَى مِنَّا وَالْحُرِّ مِنْهُمْ بِالْعَبْدِ مِنَّا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ رَدًّا عَلَيْهِمْ كَذَا فِي الشُّرُوحِ

أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ التَّخْصِيصَ بِالذَّكَرِ وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ عَلَى نَفْيِ مَا عَدَاهُ إلَّا أَنَّ تَعْرِيفَ الْمُسْنَدِ إلَيْهِ فَاللَّامُ الْجِنْسِ يُفِيدُ الْقَصْرَ نَحْوَ: الْكَرَمُ التَّقْوَى: أَيْ لَا غَيْرُهَا، وَالْأَمِيرُ الشُّجَاعُ؟ أَيْ لَا الْجَبَانُ، وَنَحْوَ التَّوَكُّلُ عَلَى اللَّهِ وَ «الْإِمَامُ مِنْ قُرَيْشٍ» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَمْثِلَةِ كَمَا عُرِفَ

<<  <  ج: ص:  >  >>