قَالَ (وَالْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ
لَهُ قَوْلُهُ ﵊ «لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ» وَلِأَنَّهُ لَا مُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا وَقْتَ الْجِنَايَةِ، وَكَذَا الْكُفْرُ مُبِيحٌ فَيُورِثُ الشُّبْهَةَ
وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَتَلَ مُسْلِمًا بِذِمِّيٍّ» وَلِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ فِي الْعِصْمَةِ ثَابِتَةٌ نَظَرًا إلَى التَّكْلِيفِ وَالدَّارِ وَالْمُبِيحُ كُفْرُ الْمُحَارِبِ دُونَ الْمُسَالِمِ، وَالْقَتْلُ بِمِثْلِهِ يُؤْذِنُ بِانْتِفَاءِ
فِي عِلْمِ الْأَدَبِ
وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْأَئِمَّةُ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ مُوجَبَ الْقَتْلِ الْعَمْدِ هُوَ الْقَوَدُ عَيْنًا لَا وَاحِدٌ مِنْ الْقَوَدِ وَالدِّيَةِ لَا بِعَيْنِهِ بِقَوْلِهِ ﵊ «الْعَمْدُ قَوَدٌ» وَقَالُوا: وَجْهُ التَّمَسُّكِ بِهِ أَنَّ الْأَلْفَ وَاللَّامَ فِي قَوْلِهِ الْعَمْدُ لِلْجِنْسِ فَتُفِيدُ الْقَصْرَ عَلَى الْقَوَدِ فَلْيَكُنْ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ
وَالْجَوَابُ أَنَّ اللَّامَ إنَّمَا يَجُوزُ حَمْلُهَا عَلَى الْجِنْسِ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَعْهُودٌ كَمَا عُرِفَ فِي عِلْمِ الْأَدَبِ وَعِلْمِ الْأُصُولِ أَيْضًا، وَفِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ تَحَقُّقُ الْمَعْهُودِ وَهُوَ مَا ذُكِرَ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا فَتُحْمَلُ اللَّامُ عَلَيْهِ دُونَ الْجِنْسِ فَلَمْ يُوجَدْ فِيهَا مَا يَقْتَضِي الْقَصْرَ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْكَافِي حَيْثُ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ فَائِدَةِ الْمُقَابَلَةِ بِبَيَانِ سَبَبِ النُّزُولِ فَكَانَ اللَّامُ لِتَعْرِيفِ الْعَهْدِ لَا لِتَعْرِيفِ الْجِنْسِ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْكُفْرُ مُبِيحٌ فَيُورِثُ الشُّبْهَةَ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَحَلِّ: إنَّ الْكُفْرَ مُبِيحٌ لِدَمِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ أَيْ فِتْنَةُ الْكُفْرِ فَيُورِثُ شُبْهَةَ عَدَمِ الْمُسَاوَاةِ اهـ
أَقُولُ: قَدْ حَمَلَ الشُّبْهَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْكِتَابِ هُنَا عَلَى شُبْهَةِ الْمُسَاوَاةِ وَهُوَ خَبْطٌ ظَاهِرٌ
أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ الْمُصَنِّفَ قَدْ صَرَّحَ قُبَيْلَ هَذَا بِعَدَمِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا عَلَى طَرِيقِ الْجَزْمِ حَيْثُ قَالَ: لِأَنَّهُ لَا مُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا وَقْتَ الْجِنَايَةِ فَكَيْفَ يَتِمُّ أَنْ يَقُولَ بَعْدَهُ: كَوْنُ الْكُفْرِ مُبِيحًا يُورِثُ شُبْهَةَ عَدَمِ الْمُسَاوَاةِ وَيَجْعَلُهَا اسْتِدْلَالًا آخَرَ فَهَلَّا يَكُونُ هَذَا مُنَافِيًا لِمَا سَبَقَ أَوْ مُسْتَدْرِكًا
وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ سَيَقُولُ فِي الْجَوَابِ مِنْ قَبْلِنَا عَنْ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ: وَالْمُبِيحُ كُفْرُ الْمُحَارِبِ دُونَ الْمُسْلِمِ، وَالْقَتْلُ بِمِثْلِهِ يُؤْذِنُ بِانْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ، وَذَلِكَ قَطْعِيُّ الدَّلَالَةِ، عَلَى أَنْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالشُّبْهَةِ الْمَذْكُورَةِ هُنَا شُبْهَةَ عَدَمِ الْمُسَاوَاةِ؛ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ قَتْلَ الذِّمِّيِّ بِمِثْلِهِ لَا يُؤْذِنُ بِانْتِفَاءِ شُبْهَةِ عَدَمِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ، وَإِنَّمَا يُؤْذِنُ بِانْتِفَاءِ شُبْهَةِ عَدَمِ الْإِبَاحَةِ فِي دَمِ الذِّمِّيِّ
فَالصَّوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالشُّبْهَةِ هُوَ شُبْهَةُ الْإِبَاحَةِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى تَفْرِيعِ قَوْلِهِ فَيُورِثُ الشُّبْهَةَ عَلَى قَوْلِهِ، وَكَذَا الْكُفْرُ مُبِيحٌ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ فَحِينَئِذٍ يَنْتَظِمُ السِّبَاقُ وَاللِّحَاقُ بِلَا غُبَارٍ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ فِي الْعِصْمَةِ ثَابِتَةٌ نَظَرًا إلَى التَّكْلِيفِ أَوْ الدَّارِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي حَلِّ هَذَا التَّعْلِيلِ: وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ يَعْتَمِدُ الْمُسَاوَاةَ فِي الْعِصْمَةِ وَهِيَ ثَابِتَةٌ نَظَرًا إلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute