للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ يُقَادُ إذَا ذَبَحَهُ ذَبْحًا، وَلِأَنَّهُ سَبَبٌ لِإِحْيَائِهِ، فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يُسْتَحَقَّ لَهُ إفْنَاؤُهُ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ قَتْلُهُ، وَإِنْ وَجَدَهُ فِي صَفِّ الْأَعْدَاءِ مُقَاتِلًا أَوْ زَانِيًا وَهُوَ مُحْصَنٌ، وَالْقِصَاصُ يَسْتَحِقُّهُ الْمَقْتُولُ ثُمَّ يَخْلُفُهُ وَارِثُهُ، وَالْجَدُّ مِنْ قِبَلِ الرِّجَالِ أَوْ النِّسَاءِ، وَإِنْ عَلَا فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ، وَكَذَا الْوَالِدَةُ وَالْجَدَّةُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ أَوْ الْأُمِّ قَرُبَتْ أَوْ بَعُدَتْ لِمَا بَيَّنَّا، وَيُقْتَلُ الْوَلَدُ بِالْوَالِدِ لِعَدَمِ الْمُسْقِطِ

قَالَ (وَلَا يُقْتَلُ الرَّجُلُ بِعَبْدِهِ وَلَا مُدَبَّرِهِ وَلَا مُكَاتَبِهِ وَلَا بِعَبْدِ وَلَدِهِ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَوْجِبُ لِنَفْسِهِ عَلَى نَفْسِهِ الْقِصَاصَ وَلَا وَلَدِهِ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَا يُقْتَلُ بِعَبْدٍ مَلَكَ بَعْضَهُ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَتَجَزَّأُ

الْخُصُوصُ

فَإِنَّ الْمَوْلَى لَا يُقْتَصُّ بِعَبْدِهِ وَلَا بِعَبْدِ وَلَدِهِ

وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْبَزْدَوِيُّ أَنَّ هَذَا حَدِيثٌ مَشْهُورٌ تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ فَصَلُحَ مُخَصِّصًا أَوْ نَاسِخًا حُكْمَ الْكِتَابِ اهـ

أَقُولُ: الْحَقُّ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْبَزْدَوِيُّ لَا مَا قَالَهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ حَاصِلَ مَا قَالَهُ أَنَّ الْكِتَابَ فِي حُكْمِ الْقِصَاصِ صَارَ مِمَّا خُصَّ مِنْهُ الْبَعْضُ بِعَدَمِ اقْتِصَاصِ الْمَوْلَى بِعَبْدِهِ وَلَا بِعَبْدِ وَلَدِهِ فَصَارَ ظَنِّيًّا فَجَازَ تَخْصِيصُ قَتْلِ الْوَالِدِ وَلَدَهُ مِنْ عُمُومِ الْكِتَابِ الدَّالِ عَلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي الْقَتْلَى بِالسُّنَّةِ وَلَوْ كَانَتْ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ، وَلَكِنَّهُ غَيْرُ تَامٍّ؛ إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْعَامَّ الَّذِي خُصَّ مِنْهُ الْبَعْضُ إنَّمَا يَصِيرُ ظَنِّيًّا إذَا كَانَ تَخْصِيصُهُ بِكَلَامٍ مُسْتَقِلٍّ مَوْصُولٍ بِهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْبَعْضُ مِنْ الْعَامِّ مُخْرَجًا بِدَلِيلٍ مَفْصُولٍ عَنْهُ فَيَكُونُ عُمُومُهُ مَنْسُوخًا لَا مَخْصُوصًا وَيَصِيرُ قَطْعِيًّا فِي الْبَاقِي

وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا يُخْرِجُ قَتْلَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ أَوْ عَبْدَ وَلَدِهِ عَنْ آيَةِ الْقِصَاصِ لَيْسَ كَلَامًا مَوْصُولًا بِهَا فَلَا يُنَافِي قَطْعِيَّتَهَا، فَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُ قَتْلِ الْوَالِدِ وَلَدَهُ عَنْهَا بِخَبَرٍ وَاحِدٍ، بَلْ لَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْمُخْرِجُ حَدِيثًا مَشْهُورًا كَمَا عُرِفَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْمَصِيرِ هُنَا إلَى مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْبَزْدَوِيُّ (قَوْلُهُ: وَالْقِصَاصُ يَسْتَحِقُّهُ الْمَقْتُولُ ثُمَّ يَخْلُفُهُ وَارِثُهُ) قَالَ الشُّرَّاحُ: هَذَا جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ الْوَارِثُ يَسْتَحِقُّ إفْنَاءَهُ لَا الْوَلَدُ وَلَا مَحْذُورَ فِيهِ

وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ ذَلِكَ: وَلَوْ قَالَ فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَتَسَبَّبَ لِفِنَائِهِ لَاسْتَغْنَى عَنْ هَذَا السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ اهـ أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ؛ إذْ لَا يَرَى جِهَةَ سَبَبِيَّةِ الْمَقْتُولِ لِفَنَاءِ الْقَاتِلِ سِوَى اسْتِحْقَاقِهِ الْقِصَاصَ، فَلَوْ قَالَ: فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَتَسَبَّبَ لِفِنَائِهِ، فَأَمَّا إنْ أَرَادَ بِتَسَبُّبِهِ لِفَنَائِهِ اسْتِحْقَاقَهُ الْقِصَاصَ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ السُّؤَالُ الْمَزْبُورُ وَيُحْتَاجُ إلَى الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ، وَأَمَّا إنْ أَرَادَ بِهَا شَيْئًا سِوَى اسْتِحْقَاقِهِ الْقِصَاصَ، وَهُوَ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَكَيْفَ يَتِمُّ بِنَاءُ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ تَدَبَّرْ تَفْهَمْ (قَوْلُهُ، وَالْجَدُّ مِنْ قِبَلِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَإِنْ عَلَا فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ، وَكَذَا الْوَالِدَةُ وَالْجَدَّةُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ أَوْ الْأُمِّ قَرُبَتْ أَوْ بَعُدَتْ لِمَا بَيَّنَّا) أَقُولُ: مِنْ الْعَجَائِبِ هُنَا أَنَّ الْإِمَامَ الزَّاهِدِيَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>