للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِأَنَّهُ عَلَى قَصْدِ الرُّجُوعِ

(وَلَا يُقْتَلُ الذِّمِّيُّ بِالْمُسْتَأْمَنِ) لِمَا بَيَّنَّا

(وَيُقْتَلُ الْمُسْتَأْمَنُ بِالْمُسْتَأْمَنِ) قِيَاسًا لِلْمُسَاوَاةِ، وَلَا يُقْتَلُ اسْتِحْسَانًا لِقِيَامِ الْمُبِيحِ

(وَيُقْتَلُ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ، وَالْكَبِيرُ بِالصَّغِيرِ، وَالصَّحِيحُ بِالْأَعْمَى وَالزَّمِنُ وَبِنَاقِصِ الْأَطْرَافِ وَبِالْمَجْنُونِ) لِلْعُمُومَاتِ، وَلِأَنَّ فِي اعْتِبَارِ التَّفَاوُتِ فِيمَا وَرَاءَ الْعِصْمَةِ امْتِنَاعَ الْقِصَاصِ وَظُهُورَ التَّقَاتُلِ وَالتَّفَانِي

قَالَ (وَلَا يُقْتَلُ الرَّجُلُ بِابْنِهِ) لِقَوْلِهِ «لَا يُقَادُ الْوَالِدُ بِوَلَدِهِ» وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ

دَلِيلًا لَهُ أَوْلَى، فَكَيْفَ يَثْبُتُ تَقْدِيرُ حَرْبِيٍّ عَلَى رَأْيِهِ وَبِالْجُمْلَةِ قَدْ خَرَجَ الشَّارِحُ الْمَزْبُورُ فِي تَوْجِيهِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ عَنْ سُنَنِ الصَّوَابِ بِالْكُلِّيَّةِ فَضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ

ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْغَايَةِ اعْتَرَضَ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَالْعَطْفُ لِلْمُغَايَرَةِ حَيْثُ قَالَ: وَلَنَا فِي هَذَا الْمَقَامِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: نَعَمْ الْعَطْفُ لِلْمُغَايَرَةِ، وَلَكِنْ لَمْ يَعْطِفْ قَوْلَهُ " وَلَا ذُو عَهْدٍ " عَلَى كَافِرٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ عَطَفَ عَلَيْهِ لَقِيلَ بِالْجَرِّ بَلْ هُوَ عَطْفٌ عَلَى مُؤْمِنٍ، وَلَكِنْ نَقُولُ: إنَّ الذِّمِّيَّ يُقْتَلُ بِالذِّمِّيِّ بِالِاتِّفَاقِ، فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْكَافِرِ الْحَرْبِيُّ اهـ

أَقُولُ: نَظَرُهُ فِي غَايَةِ السُّقُوطِ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَالْعَطْفُ لِلْمُغَايَرَةِ لَيْسَ لِبَيَانِ مُغَايَرَةِ: ذُو عَهْدٍ فِي الْحَدِيثِ لِكَافِرٍ حَتَّى يَتَّجِهَ مَا تَوَهَّمَهُ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ " وَلَا ذُو عَهْدٍ " لَمْ يُعْطَفْ عَلَى كَافِرٍ بَلْ لِبَيَانِ مُغَايَرَتِهِ لِمُؤْمِنٍ دَفْعًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِذُو عَهْدٍ فِي الْحَدِيثِ هُوَ الْمُؤْمِنُ أَيْضًا؛ إذْ عَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ لَا يَظْهَرُ كَوْنُ الْمُرَادِ بِكَافِرٍ هُوَ الْحَرْبِيَّ؛ إذْ الْمُؤْمِنُ لَا يُقْتَلُ بِذِمِّيٍّ أَيْضًا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَلَا يَسْلَمُ التَّقْيِيدُ بِحَرْبِيٍّ، وَأَمَّا إذَا كَانَ ذُو عَهْدٍ مُغَايِرًا لِمُؤْمِنٍ فَكَانَ الْمُرَادُ بِهِ هُوَ الذِّمِّيَّ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِكَافِرٍ هُوَ الْحَرْبِيَّ، وَإِلَّا يَلْزَمُ أَنْ لَا يُقْتَلَ الذِّمِّيُّ أَيْضًا مَعَ أَنَّ خِلَافَهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ

وَالْعَجَبُ أَنَّ كَوْنَ مَقْصُودِ الْمُصَنِّفِ مِنْ قَوْلِهِ: وَالْعَطْفُ لِلْمُغَايَرَةِ مَا ذَكَرْنَاهُ مَعَ وُضُوحِهِ فِي نَفْسِهِ يُرْشِدُ إلَيْهِ جِدًّا تَقْرِيرُ صَاحِبِ الْكَافِي وَبَعْضُ الشُّرَّاحِ الْمُتَقَدِّمِينَ فَكَيْفَ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ ذَلِكَ الشَّارِحُ

(قَوْلُهُ وَلَا يُقْتَلُ الذِّمِّيُّ بِالْمُسْتَأْمَنِ لِمَا بَيَّنَّا) قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّرَّاحِ: وَهُوَ قَوْلُهُ: وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ، وَحَمَلَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ عَلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحْقُونَ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ، وَلَمْ يَقْبَلْ رَأْيَ هَؤُلَاءِ الشُّرَّاحِ حَيْثُ قَالَ: وَلَا يُقْتَلُ الذِّمِّيُّ بِالْمُسْتَأْمَنِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَيْسَ مَحْقُونَ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ، وَقِيلَ: هُوَ إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ «وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ» وَلَيْسَ بِوَاضِحٍ؛ لِأَنَّ الْمَعْهُودَ مِنْهُ فِي مِثْلِهِ لِمَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّا قَدَّرْنَا ذَلِكَ بِكَافِرٍ حَرْبِيٍّ، إلَّا إذَا أُرِيدَ هُنَاكَ بِالْحَرْبِيِّ أَعَمَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُسْتَأْمَنًا أَوْ مُحَارَبًا وَهُوَ الْحَقُّ، وَيُغْنِينَا عَنْ السُّؤَالِ عَنْ كَيْفِيَّةِ قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالْحَرْبِيِّ وَالْجَوَابِ عَنْهُ وَعَبَّرَ بِقَوْلِهِ: لِمَا بَيَّنَّا؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ الْمَذْكُورَ لَيْسَ بِمَرْوِيٍّ، وَإِنَّمَا هُوَ تَأْوِيلٌ فَلَمْ يَقُلْ لِمَا رَوَيْنَا، إلَى هُنَا كَلَامُهُ

أَقُولُ: فِي قَوْلِهِ وَيُغْنِينَا عَنْ السُّؤَالِ عَنْ كَيْفِيَّةِ قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالْحَرْبِيِّ وَالْجَوَابِ عَنْهُ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا أُرِيدَ هُنَاكَ بِالْحَرْبِيِّ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْمُسْتَأْمَنِ وَالْمُحَارِبِ يَرِدُ السُّؤَالُ عَنْ كَيْفِيَّةِ قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالْمُحَارِبِ، فَإِنَّ قَتْلَ الْمُحَارِبِ وَاجِبٌ فَمَا مَعْنَى نَفْيِهِ فِي الْحَدِيثِ، فَيُحْتَاجُ إلَى الْجَوَابِ عَنْهُ بِالْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا مِنْ قَبْلُ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الْغِنَى عَنْ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ إذَا كَانَ الْمُرَادُ بِالْحَرْبِيِّ هُنَاكَ هُوَ الْمُسْتَأْمَنَ فَقَطْ كَمَا هُوَ الْأَحْسَنُ، وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَالْمُرَادُ مِنْ الْكَافِرِ الْمُسْتَأْمَنُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ «لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ» عَطَفَ قَوْلَهُ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ عَلَى الْمُسْلِمِ، فَكَانَ مَعْنَاهُ: لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ وَلَا ذُو عَهْدٍ بِهِ، وَنَحْنُ بِهِ نَقُولُ اهـ

(قَوْلُهُ: وَلَا يُقْتَلُ الرَّجُلُ بِابْنِهِ لِقَوْلِهِ «لَا يُقَادُ الْوَالِدُ بِوَلَدِهِ») قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ: قُلْت: خَصَّ بِهِ عُمُومَ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُ لَحِقَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>