للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَلَوْ تَرَكَ وَفَاءً وَلَهُ وَارِثٌ غَيْرُ الْمَوْلَى فَلَا قِصَاصَ، وَإِنْ اجْتَمَعُوا مَعَ الْمَوْلَى)؛ لِأَنَّهُ اشْتَبَهَ مَنْ لَهُ الْحَقُّ؛ لِأَنَّهُ الْمَوْلَى إنْ مَاتَ عَبْدًا، وَالْوَارِثُ إنْ مَاتَ حُرًّا إذْ ظَهَرَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الصَّحَابَةِ فِي مَوْتِهِ عَلَى نَعْتِ الْحُرِّيَّةِ أَوْ الرِّقِّ، بِخِلَافِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى مُتَعَيَّنٌ فِيهَا

الْقَوَدِ بِغَيْرِ السَّيْفِ فَكَيْفَ يَلْحَقُ بِهِ دَلَالَةً مَا كَانَ سِلَاحًا مِنْ غَيْرِ السَّيْفِ، وَهُوَ يَتَصَوَّرُ أَنْ يَدُلَّ كَلَامٌ وَاحِدٌ عَلَى نَفْيِ شَيْءٍ وَإِثْبَاتِهِ مَعًا

وَالْحَقُّ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالسَّيْفِ فِي الْحَدِيثِ الْمَزْبُورِ وَالسِّلَاحِ مُطْلَقًا بِطَرِيقِ الْكِنَايَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: وَالْمُرَادُ بِهِ السِّلَاحُ وَصَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْكَافِي وَالْكِفَايَةِ حَيْثُ قَالَا: وَلَنَا قَوْلُهُ «لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ» أَيْ لَا قَوَدَ يُسْتَوْفَى إلَّا بِالسَّيْفِ، وَالْمُرَادُ بِالسَّيْفِ السِّلَاحُ، هَكَذَا فَهِمَتْ الصَّحَابَةُ

وَقَالَ أَصْحَابُ ابْنِ مَسْعُودٍ: لَا قَوَدَ إلَّا بِسِلَاحٍ، وَإِنَّمَا كَنَّى بِالسَّيْفِ عَنْ السِّلَاحِ اهـ

وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ الْحَدِيثِ لَا قَوَدَ يَجِبُ إلَّا بِالسَّيْفِ لَا أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ لَا قَوَدَ يُسْتَوْفَى إلَّا بِالسَّيْفِ

قُلْنَا: الْقَوَدُ اسْمٌ لِفِعْلٍ هُوَ جَزَاءُ الْقَتْلِ دُونَ مَا يَجِبُ شَرْعًا، وَإِنْ حُمِلَ عَلَيْهِ كَانَ مَجَازًا، وَلِأَنَّ الْقُودَ قَدْ يَجِبُ بِغَيْرِ السَّيْفِ كَالْقَتْلِ بِالنَّارِ وَالْإِبْرَةِ فَلَمْ يُمْكِنْ حَمْلُهُ عَلَيْهِ لِوُجُودِ وُجُوبِ الْقَوَدِ بِدُونِ الْقَتْلِ بِالسَّيْفِ، وَإِنَّمَا السَّيْفُ مَخْصُوصٌ بِالِاسْتِيفَاءِ اهـ

وَذَكَرَ هَذَا السُّؤَالَ فِي الْعِنَايَةِ أَيْضًا، وَلَكِنْ قَصَرَ الْجَوَابَ عَنْهُ فِيهَا عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي النِّهَايَةِ

أَقُولُ: فِي ذَاكَ الْوَجْهِ مِنْ الْجَوَابِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتِمُّ أَنْ لَوْ كَانَ مَدَارُ السُّؤَالِ عَلَى احْتِمَالِ أَنْ يُرَادَ بِلَفْظِ الْقَوَدِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ مَا يَجِبُ شَرْعًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ مَدَارُهُ عَلَى احْتِمَالِ أَنْ يُقَدَّرَ فِي الْحَدِيثِ لَفْظُ يَجِبُ بَعْدَ قَوْلِهِ لَا قَوَدَ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ عِبَارَةِ السُّؤَالِ فَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ؛ إذْ لَا مَجَازَ حِينَئِذٍ فِي لَفْظِ الْقَوَدِ

فَإِنْ قُلْتَ: الْمَصِيرُ إلَى التَّقْدِيرِ لَيْسَ بِأَسْهَلَ مِنْ الْمَصِيرِ إلَى التَّجَوُّزِ فَيَحْصُلُ الْمَطْلُوبُ وَهُوَ لُزُومُ الْعُدُولِ إلَى خِلَافِ الظَّاهِرِ مِنْ عِبَارَةِ الْحَدِيثِ عَلَى الِاحْتِمَالِ الْآخَرِ

قُلْتُ: لَا مَحِيصَ عَنْ تَقْدِيرِ شَيْءٍ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي حَمَلُوهُ عَلَيْهِ أَيْضًا، فَإِنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ عَلَى ذَاكَ لَا قَوَدَ يُسْتَوْفَى إلَّا بِالسَّيْفِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ مَعْنَى الِاسْتِيفَاءِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ بِمَعُونَةِ الْمَقَامِ لَيْسَ بِعَزِيزٍ فِي كَلَامِ الْبُلَغَاءِ فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ

(قَوْلُهُ: وَلَوْ تَرَكَ وَفَاءً وَلَهُ وَارِثٌ غَيْرُ الْمَوْلَى فَلَا قِصَاصَ) أَقُولُ: أَطْلَقَ الْوَارِثَ هُنَا وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْحُرِّ وَقَيَّدَهُ فِي الصُّورَةِ الْآتِيَةِ بِذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً وَلَهُ وَرَثَةٌ أَحْرَارٌ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُعْكَسَ الْأَمْرُ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ الْوَارِثُ هُنَا رَقِيقًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ لِلْمَوْلَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ لِكَوْنِ حَقِّ الِاسْتِيفَاءِ حِينَئِذٍ لِلْمَوْلَى خَاصَّةً؛ إذْ لَا وِلَايَةَ لِلْأَرِقَّاءِ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ قَطُّ فَلَمْ يَشْتَبِهْ مَنْ لَهُ الْحَقُّ هُنَاكَ فَإِنَّهُ الْمَوْلَى عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَإِنْ مَاتَ عَبْدًا فَبِالْمِلْكِ وَإِنْ مَاتَ حُرًّا فَبِالْوَلَاءِ

وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْوَرَثَةُ أَرِقَّاءَ فِي الصُّورَةِ الْآتِيَةِ فَيَجِبُ الْقِصَاصُ لِلْمَوْلَى وَحْدَهُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا كَمَا إذَا كَانَتْ الْوَرَثَةُ أَحْرَارًا؛ لِأَنَّهُ مَاتَ عَبْدًا

<<  <  ج: ص:  >  >>