(وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً وَلَهُ وَرَثَةٌ أَحْرَارٌ وَجَبَ الْقِصَاصُ لِلْمَوْلَى فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا)؛ لِأَنَّهُ مَاتَ عَبْدًا بِلَا رَيْبٍ لِانْفِسَاخِ الْكِتَابَةِ، بِخِلَافِ مُعْتَقِ الْبَعْضِ إذَا مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الْبَعْضِ لَا يَنْفَسِخُ بِالْعَجْزِ
(وَإِذَا قُتِلَ عَبْدُ الرَّهْنِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ حَتَّى يَجْتَمِعَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ)؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَا مِلْكَ لَهُ فَلَا يَلِيهِ، وَالرَّاهِنُ لَوْ تَوَلَّاهُ لَبَطَل حَقُّ
فِي تِلْكَ الصُّورَةِ بِلَا رَيْبٍ
وَالتَّقْيِيدُ بِالْأَحْرَارِ يُشْعِرُ بِكَوْنِ الْحُكْمِ فِي الْأَرِقَّاءِ خِلَافَ ذَلِكَ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ مُعْتَبَرٌ عِنْدَنَا أَيْضًا فِي الرِّوَايَاتِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، فَالْأَحْسَنُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكَافِي حَيْثُ قَالَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ: وَلَوْ تَرَكَ وَفَاءً وَلَهُ وَارِثٌ حُرٌّ غَيْرُ الْمَوْلَى فَلَا قِصَاصَ وَقَالَ فِي الصُّورَةِ الْآتِيَةِ: فَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً لَهُ وَرَثَةٌ أَحْرَارٌ أَوْ لَا وَجَبَ الْقِصَاصُ لِلْمَوْلَى عِنْدَهُمْ
فَإِنْ قُلْتَ: الرَّقِيقُ لَا يَكُونُ وَارِثًا؛ لِأَنَّ الرِّقَّ أَحَدُ الْأُمُورِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي تَمْنَعُ عَنْ الْإِرْثِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْفَرَائِضِ فَلَا احْتِيَاجَ إلَى تَقْيِيدِ الْوَارِثِ بِالْحُرِّ بَلْ لَا وَجْهَ لَهُ لِإِشْعَارِهِ بِكَوْنِ الرَّقِيقِ أَيْضًا وَارِثًا
قُلْتُ: الْمُرَادُ بِالْوَارِثِ هُنَا مَنْ كَانَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَرِثَ، وَالرَّقِيقُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَرِثُ عِنْدَ زَوَالِ الرِّقِّ عَنْهُ لَا مَنْ يَرِثُ بِالْفِعْلِ فَيَتَحَمَّلُ التَّقْيِيدَ بِالْحُرِّيَّةِ، وَإِلَّا يَلْزَمُ أَنْ لَا يَتِمَّ تَقْيِيدُ الْوَرَثَةِ بِالْأَحْرَارِ فِي الصُّورَةِ الْأَتِيَّةِ أَيْضًا مَعَ أَنَّهَا قُيِّدَتْ بِهَا فِي الْكِتَابِ بَلْ فِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْإِمَامِ الرَّبَّانِيِّ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً وَلَهُ وَرَثَةٌ أَحْرَارٌ وَجَبَ الْقِصَاصُ لِلْمَوْلَى فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَلَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً، وَلَا وَارِثَ لَهُ أَوْ لَهُ وَرَثَةٌ أَرِقَّاءُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي ذِكْرِهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ اهـ
أَقُولُ: هَذَا كَلَامٌ خَالٍ عَنْ التَّحْصِيلِ؛ لِأَنَّ كَوْنَ حُكْمِهِ حُكْمَ الْمَذْكُورِ لَا يَقْتَضِي عَدَمَ الْفَائِدَةِ فِي ذِكْرِهِ بَلْ يَكُونُ بَيَانَ كَوْنِ حُكْمِهِ حُكْمَ الْمَذْكُورِ عَيْنَ الْفَائِدَةِ فِي ذِكْرِهِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ أَكْثَرَ الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ فِي أَبْوَابِ هَذَا الْكِتَابِ وَفُصُولِهِ مُتَّحِدَةُ الْأَحْكَامِ مَعَ أَنَّهُ لَا مَجَالَ لَأَنْ يُسْتَغْنَى بِذِكْرِ بَعْضِهَا عَنْ ذِكْرِ الْآخَرِ، عَلَى أَنَّ تَخْصِيصَ مَنْ لَهُ وَرَثَةٌ أَحْرَارٌ بِالذِّكْرِ يُشْعِرُ بِكَوْنِ الْحُكْمِ فِي غَيْرِ الْمَذْكُورِ خِلَافَ حُكْمِ الْمَذْكُورِ عَلَى قَاعِدَةِ كَوْنِ الْمَفْهُومِ مُعْتَبَرًا فِي الرِّوَايَاتِ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ شَيْءٍ يُفِيدُ كَوْنَ الْحُكْمِ فِي الْمَتْرُوكِ حُكْمَ الْمَذْكُورِ
فَالْوَجْهُ فِي الِاعْتِذَارِ عَنْ تَرْكِ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إنَّ حُكْمَ الْمَتْرُوكِ هَا هُنَا مَعْلُومٌ مِنْ حُكْمِ الْمَذْكُورِ بِالْأَوْلَوِيَّةِ عَلَى طَرِيقَةِ دَلَالَةِ النَّصِّ، فَإِنَّهُ إذَا وَجَبَ الْقِصَاصُ لِلْمَوْلَى وَحْدَهُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا فِيمَا إذَا كَانَ لَهُ وَرَثَةٌ أَحْرَارٌ فَلَأَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ لِلْمَوْلَى وَحْدَهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ أَصْلًا أَوْ كَانَ لَهُ وَرَثَةٌ أَرِقَّاءُ أَوْلَى كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مُعْتَقِ الْبَعْضِ إذَا مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الْبَعْضِ لَا يَنْفَسِخُ بِالْعَجْزِ) قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ: وَلَيْسَ هَذَا كَالْعَبْدِ الْمُعْتَقِ بَعْضُهُ إذَا مَاتَ عَاجِزًا؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ لَا قِصَاصَ؛ لِأَنَّ عَجْزَ الْمُكَاتَبِ يَنْفَسِخُ بِهِ الْكِتَابَةُ فَكَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ، وَمَوْتُ الْمُعْتَقِ لَمْ يَنْفَسِخْ بِهِ عِتْقُهُ فَالْمَوْلَى يَسْتَحِقُّ الْقِصَاصَ فِي بَعْضِهِ بِالْوَلَاءِ، وَفِي بَعْضِهِ بِالْمِلْكِ فَلَا يَثْبُتُ لَهُ الِاسْتِحْقَاقُ بِسَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ اهـ
أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، قَدْ مَرَّ مِنْ قِبَلِ أَنَّ أَصْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ هُوَ أَنَّ اخْتِلَافَ السَّبَبِ الَّذِي لَا يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَلَا إلَى اخْتِلَافِ الْحُكْمِ لَا يُبَالَى بِهِ، وَلِهَذَا كَانَ لِلْمَوْلَى الْقِصَاصُ عِنْدَهُمَا فِيمَا إذَا قُتِلَ الْمُكَاتَبُ عَمْدًا وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ سِوَى الْمَوْلَى وَتَرَكَ وَفَاءً فَكَيْفَ يَتِمُّ تَعْلِيلُ عَدَمِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي مَسْأَلَةِ مُعْتَقِ الْبَعْضِ إذَا مَاتَ عَاجِزًا بِأَنَّ الْمَوْلَى يَسْتَحِقُّ الْقِصَاصَ فِي بَعْضِهِ بِالْوَلَاءِ وَفِي بَعْضِهِ بِالْمِلْكِ فَلَا يَثْبُتُ لَهُ الِاسْتِحْقَاقُ بِسَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ؛ إذْ لَا إفْضَاءَ إلَى الْمُنَازَعَةِ عَلَى مُقْتَضَى هَذَا التَّعْلِيلِ وَلَا إلَى اخْتِلَافِ الْحُكْمِ فَمِنْ أَيْنَ لَا يَثْبُتُ لَهُ الِاسْتِحْقَاقُ عِنْدَهُ بِمُجَرَّدِ اخْتِلَافِ السَّبَبِ؟ ثُمَّ أَقُولُ: لَعَلَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ مُعْتَقِ