الْمُرْتَهِنِ فِي الدَّيْنِ فَيُشْتَرَطُ اجْتِمَاعُهُمَا لِيَسْقُطَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ بِرِضَاهُ
قَالَ (وَإِذَا قُتِلَ وَلِيُّ الْمَعْتُوهِ فَلِأَبِيهِ أَنْ يَقْتُلَ)؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْوِلَايَةِ عَلَى النَّفْسِ شُرِعَ لِأَمْرٍ رَاجِعٍ إلَيْهَا وَهُوَ تَشَفِّي الصَّدْرِ فَيَلِيهِ كَالْإِنْكَاحِ
الْبَعْضِ إذَا مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً مَا إذَا كَانَ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُ الْمَوْلَى، يَرْشُدُ إلَيْهِ ذِكْرُ مُخَالَفَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي حَيِّزِ قَوْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً، وَلَهُ وَرَثَةٌ أَحْرَارٌ إلَخْ فَحِينَئِذٍ يَصِحُّ تَتْمِيمُ مَا أَجْمَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِهِ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الْبَعْضِ لَا يَنْفَسِخُ بِالْعَجْزِ بِأَنْ يُقَالَ: فَالْمَوْلَى يَسْتَحِقُّ الْقِصَاصَ فِي الْبَعْضِ الْمَمْلُوكِ بِالْمِلْكِ، وَالْوَارِثُ يَسْتَحِقُّهُ فِي الْبَعْضِ الْمُعْتَقِ بِالْإِرْثِ فَيَكُونُ السَّبَبَانِ رَاجِعَيْنِ إلَى الشَّخْصَيْنِ فَيُبَالَى بِاخْتِلَافِهِمَا لِلْإِفْضَاءِ إلَى الْمُنَازَعَةِ تَأَمَّلْ تَقِفْ
(قَوْلُهُ وَإِذَا قُتِلَ وَلِيُّ الْمَعْتُوهِ فَلِأَبِيهِ أَنْ يَقْتُلَ) يَعْنِي إذَا قُتِلَ قَرِيبُ الْمَعْتُوهِ فَلِأَبِي الْمَعْتُوهِ أَنْ يَقْتُلَ: أَيْ لَهُ وِلَايَةُ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ مِنْ الْقَاتِلِ
قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: وَإِذَا قُتِلَ وَلِيُّ الْمَعْتُوهِ يَعْنِي ابْنَهُ فَلِأَبِيهِ وَهُوَ جَدُّ الْمَقْتُولِ الِاسْتِيفَاءُ
أَقُولُ: هَذَا تَقْصِيرٌ فِي بَيَانِ الْمَسْأَلَةِ، فَإِنَّ مَنْ كَانَ الْقِصَاصُ لَهُ حَقُّ الْمَعْتُوهِ دُونَ أَبِيهِ غَيْرَ مُنْحَصِرٍ فِي ابْنِ الْمَعْتُوهِ بَلْ يَعُمُّ ابْنَهُ وَغَيْرَهُ كَأَخِيهِ وَأُخْتِهِ لِأُمٍّ مِنْ غَيْرِ أَبِيهِ وَكَأُمِّهِ الْمُطَلَّقَةِ مِنْ أَبِيهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ
وَعِبَارَةُ الْكِتَابِ تَتَحَمَّلُ التَّعْمِيمَ، فَإِنَّ وَلِيَّ الْمَعْتُوهِ بِمَعْنَى قَرِيبِهِ يَعُمُّ الْكُلَّ فَمَا مَعْنَى تَخْصِيصِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ عُمُومِ جَوَابِهَا
وَصَاحِبُ النِّهَايَةِ أَصَابَ فِي تَفْسِيرِ وَلِيِّ الْمَعْتُوهِ، وَلَكِنْ أَفْسَدَ بَعْدَهُ حَيْثُ قَالَ: وَإِذَا قَتَلَ وَلِيٌّ الْمَعْتُوهَ أَيْ قَرِيبُهُ وَهُوَ ابْنُهُ: يَعْنِي إذَا كَانَ لِلْمَعْتُوهِ ابْنٌ فَقُتِلَ ابْنُهُ فَلِأَبِي الْمَعْتُوهِ وَهُوَ جَدُّ الْمَقْتُولِ وِلَايَةُ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ اهـ
وَاقْتَفَى أَثَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّرَّاحِ، وَالْحَقُّ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ التَّعْمِيمِ، وَغَايَةُ مَا يُمْكِنُ فِي تَوْجِيهِ كَلَامِهِمْ أَنْ يُحْمَلَ مَا ذَكَرُوهُ عَلَى التَّمْثِيلِ دُونَ التَّخْصِيصِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مِنْ الْوِلَايَةِ عَلَى النَّفْسِ شُرِعَ لِأَمْرٍ رَاجِعٍ إلَيْهَا وَهُوَ تَشَفِّي الصَّدْرِ فَيَلِيهِ كَالْإِنْكَاحِ) قَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ: قَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: كُلُّ مَنْ مَلَكَ الْإِنْكَاحَ لَا يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ، فَإِنَّ الْأَخَ يَمْلِكُ الْإِنْكَاحَ وَلَا يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ
فَأَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْأَخَ يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ كَالْأَبِ وَالِابْنِ، وَكَذَلِكَ يَمْلِكُ الْإِنْكَاحَ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ وَلِيٌّ أَقْرَبُ مِنْهُ، فَإِذَا كَانَ ثَمَّةَ أَقْرَبُ مِنْهُ فَلَا يَمْلِكُ الْإِنْكَاحَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ مَنْ يَسْتَحِقُّ الدَّمَ هُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ مَالَ الْمَقْتُولِ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ حَتَّى الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ، وَبِهِ صَرَّحَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، إلَى هُنَا لَفْظُ الْغَايَةِ
أَقُولُ: مَا نَسَبَهُ إلَى بَعْضِ الشَّارِحِينَ قَوْلُ كُلِّ الشَّارِحِينَ سِوَاهُ، وَرَدُّهُ عَلَيْهِمْ مَرْدُودٌ، فَإِنَّهُ نَاشِئٌ مِنْ عَدَمِ فَهْمِ مَعْنَى الْمَقَامِ وَمُرَادِ الشُّرَّاحِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْمَقَامِ أَنَّهُ إذَا قُتِلَ أَحَدٌ مِمَّنْ كَانَ الْقِصَاصُ لَهُ حَقُّ الْمَعْتُوهِ دُونَ حَقِّ غَيْرِهِ كَانَ لِأَبِي الْمَعْتُوهِ وِلَايَةُ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ مِنْ الْقَاتِلِ نِيَابَةً عَنْ الْمَعْتُوهِ كَمَا لَهُ وِلَايَةُ إنْكَاحِ الْمَعْتُوهِ وَالصَّبِيِّ، وَمُرَادُ الشُّرَّاحِ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنْ لَيْسَ كُلُّ مَنْ يَمْلِكُ إنْكَاحَ الْغَيْرِ يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ مِنْ قِبَلِ الْغَيْرِ، فَإِنَّ الْأَخَ مَثَلًا يَمْلِكُ إنْكَاحَ الْمَعْتُوهِ وَالصَّبِيِّ وَلَا يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ مِنْ قِبَلِهِمَا، بِخِلَافِ الْأَبِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُمَا مَعًا
وَبَيَّنُوا وَجْهَ الْفَرْقِ بِأَنَّ الْقِصَاصَ شُرِعَ لِلتَّشَفِّي وَلِلْأَبِ شَفَقَةٌ كَامِلَةٌ، يُعَدُّ ضَرَرُ الْوَلَدِ ضَرَرَ نَفْسِهِ فَجُعِلَ مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ التَّشَفِّي كَالْحَاصِلِ لِلِابْنِ، بِخِلَافِ الْأَخِ، فَقَوْلُ صَاحِبِ الْغَايَةِ: لِأَنَّ الْأَخَ يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ كَالْأَبِ وَالِابْنِ إنْ أَرَادَ بِهِ أَنْ يَمْلِكَ ذَلِكَ بِاسْتِحْقَاقِهِ إيَّاهُ بِنَفْسِهِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ تَعْلِيلِهِ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ مَنْ يَسْتَحِقُّ الدَّمَ هُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ مَالَ الْمَقْتُولِ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ مُسَلَّمٌ، وَلَكِنْ لَا مِسَاسَ لَهُ بِالْمَقَامِ وَلَا بِمَا قَالَهُ الشُّرَّاحُ، فَإِنَّ الْكَلَامَ هَا هُنَا فِي وِلَايَةِ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ نِيَابَةً بِدُونِ أَنْ يَسْتَحِقَّ الْقِصَاصَ بِنَفْسِهِ أَصَالَةً، وَهُوَ مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا كَمَا يُفْصِحُ عَنْهُ جِدًّا عِبَارَةُ الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ: وَإِذَا وَجَبَ الْقِصَاصُ لِصَغِيرٍ أَوْ مَعْتُوهٍ فِي النَّفْسِ أَوْ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَلَهُ أَبٌ وَلَا حَقَّ لِلْأَبِ فِي هَذَا الْقِصَاصِ فَإِنَّ الْأَبَ يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَهُ عِنْدَ عُلَمَائِنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ اهـ
وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ الْأَخَ يَمْلِكُ ذَلِكَ نِيَابَةً عَنْ الْغَيْرِ أَيْضًا، وَإِنْ لَمْ يَسْتَحِقَّهُ بِنَفْسِهِ أَصَالَةً فَهُوَ مَمْنُوعٌ جِدًّا، وَلَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ أَنَّ أَحَدًا ذَهَبَ إلَيْهِ وَقَالَ بِهِ
وَالدَّلِيلُ الَّذِي ذَكَرُوهُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْأَبِ