للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَلَهُ أَنْ يُصَالِحَ)؛ لِأَنَّهُ أَنْظَرُ فِي حَقِّ الْمَعْتُوهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْفُوَ؛ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّهِ (وَكَذَلِكَ إنْ قُطِعَتْ يَدُ الْمَعْتُوهِ عَمْدًا) لِمَا ذَكَرْنَا (وَالْوَصِيُّ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ لَا يَقْتُلُ)؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى نَفْسِهِ وَهَذَا مِنْ قَبِيلِهِ، وَيَنْدَرِجُ تَحْتَ هَذَا الْإِطْلَاقِ الصُّلْحُ عَنْ النَّفْسِ وَاسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ فَإِنَّهُ لَمْ يُسْتَثْنَ إلَّا الْقَتْلُ

وَفِي كِتَابِ الصُّلْحِ أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَمْلِكُ الصُّلْحَ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي النَّفْسِ بِالِاعْتِيَاضِ عَنْهُ فَيَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الِاسْتِيفَاءِ

وَوَجْهُ الْمَذْكُورِ هَا هُنَا

وَغَيْرِهِ هُنَا يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ قَطْعًا (قَوْلُهُ: وَلَهُ أَنْ يُصَالِحَ؛ لِأَنَّهُ أَنْظَرُ فِي حَقِّ الْمَعْتُوهِ) قَالَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ: هَذَا فِيمَا إذَا صَالَحَ عَلَى قَدْرِ الدِّيَةِ

أَمَّا إذَا صَالَحَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ الدِّيَةِ لَمْ يَجُزْ الْحَطُّ وَإِنْ قَلَّ وَيَجِبُ كَمَالُ الدِّيَةِ اهـ

وَكَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ

وَقَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ: قَالَ بَعْضُهُمْ فِي شَرْحِهِ: هَذَا إذَا صَالَحَ عَلَى مِثْلِ الدِّيَةِ، أَمَّا إذَا صَالَحَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ الدِّيَةِ لَمْ يَجُزْ الْحَطُّ وَإِنْ قَلَّ وَيَجِبُ كَمَالُ الدِّيَةِ

وَلَنَا فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ لَفْظَ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُطْلَقٌ حَيْثُ جَوَّزَ صُلْحَ أَبِي الْمَعْتُوهِ عَنْ دَمِ قَرِيبِهِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ قَالَ: وَلَهُ أَنْ يُصَالِحَ مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِقَدْرِ الدِّيَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ الصُّلْحُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ قَدْرِ الدِّيَةِ عَمَلًا بِإِطْلَاقِهِ، وَإِنَّمَا جَازَ صُلْحُهُ عَلَى الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لِلْمَعْتُوهِ مِنْ الْقِصَاصِ، فَإِذَا جَازَ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ فَالصُّلْحُ أَوْلَى، وَالنَّفْعُ يَحْصُلُ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ الْكَرْخِيَّ قَالَ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَإِذَا وَجَبَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ قِصَاصٌ فِي نَفْسٍ أَوْ فِيمَا دُونَهَا فَصَالَحَ صَاحِبَ الْحَقِّ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَالٍ فَذَلِكَ جَائِزٌ قَلِيلًا كَانَ الْمَالُ أَوْ كَثِيرًا كَانَ ذَلِكَ دُونَ دِيَةِ النَّفْسِ أَوْ أَرْشِ الْجِرَاحَةِ أَوْ أَكْثَرَ، إلَى هُنَا لَفْظُهُ

أَقُولُ: نَظَرُهُ سَاقِطٌ، فَإِنَّ لِأَصْحَابِ التَّخْرِيجِ مِنْ الْمَشَايِخِ صَرْفَ إطْلَاقِ كَلَامِ الْمُجْتَهِدِ إلَى التَّقْيِيدِ إذَا اقْتَضَاهُ الْفِقْهُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَلَهُ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ فِي مَسَائِلِ الْفِقْهِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ هَا هُنَا كَذَلِكَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الشُّرَّاحَ أَخَذُوا التَّقْيِيدَ هُنَا مِنْ كَلَامِ مَشَايِخِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَصْحَابِ التَّخْرِيجِ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَصِلَ بَعْضٌ مَنْ أَنْفَسِ الشُّرَّاحِ أَيْضًا إلَى تِلْكَ الرُّتْبَةِ، فَلَا يَقْدَحُ فِيمَا قَالُوا إطْلَاقُ ظَاهِرِ لَفْظِ مُحَمَّدٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ

ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ: وَإِنَّمَا جَازَ صُلْحُهُ عَلَى الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لِلْمَعْتُوهِ مِنْ الْقِصَاصِ مُسَلَّمٌ

وَقَوْلُهُ: وَالنَّفْعُ يَحْصُلُ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ فِي الْقِصَاصِ تَشَفِّيَ الصَّدْرِ وَمَا دُونَ الدِّيَةِ فِي مُقَابَلَةِ تَشَفِّي الصَّدْرِ لَا يُعَدُّ نَفْعًا عُرْفًا، وَوِلَايَةُ الْأَبِ لِلْمَعْتُوهِ نَظَرِيَّةٌ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ تَصَرُّفُهُ فِي حَقِّ الْمَعْتُوهِ مِنْ قَبِيلِ مَا يُعَدُّ نَفْعًا عُرْفًا وَعَادَةً

وَأَمَّا تَنْوِيرُهُ بِمَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ جِدًّا، فَإِنَّ الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ مَا إذَا كَانَ الْمُصَالِحُ صَاحِبَ حَقِّ الْقِصَاصِ بِنَفْسِهِ، وَصُلْحُ صَاحِبِ الْحَقِّ عَنْ حَقِّهِ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْمَالِ وَقَلِيلِهِ جَائِزٌ بِلَا رَيْبٍ؛ إذْ لَهُ إسْقَاطُ حَقِّهِ بِالْكُلِّيَّةِ بِلَا أَخْذِ عِوَضٍ عَنْهُ أَصْلًا فَتَرْكُهُ بِمُقَابَلَةِ مَالٍ وَإِنْ قَلَّ أَوْلَى بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ الْمُصَالِحَ هُنَا وَلِيُّ صَاحِبِ حَقِّ الْقِصَاصِ، وَهُوَ أَبُوهُ لَا نَفْسُ صَاحِبِ الْحَقِّ وَهُوَ الْمَعْتُوهُ فَلَا بُدَّ فِي تَصَرُّفِهِ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>