للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَا مِرَاءَ فِي الْعِصْمَةِ

وَلَهُ قَوْلُهُ «أَلَا إنَّ قَتِيلَ خَطَإِ الْعَمْدِ قَتِيلُ السَّوْطِ وَالْعَصَا» وَفِيهِ «وَفِي كُلِّ خَطَإٍ أَرْشٌ»؛ لِأَنَّ الْآلَةَ غَيْرُ مُعَدَّةٍ لِلْقَتْلِ، وَلَا مُسْتَعْمَلَةٌ فِيهِ لِتَعَذُّرِ اسْتِعْمَالِهِ فَتَمَكَّنَتْ شُبْهَةُ عَدَمِ الْعَمْدِيَّةِ وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ يُنْبِئُ عَنْ الْمُمَاثَلَةِ، وَمِنْهُ يُقَالُ: اقْتَصَّ أَثَرَهُ، وَمِنْهُ الْقُصَّةُ لِلْجَلَمَيْنِ، وَلَا تَمَاثُلَ بَيْنَ الْجَرْحِ وَالدَّقِّ لِقُصُورِ الثَّانِي عَنْ تَخْرِيبِ الظَّاهِرِ، وَكَذَا لَا يَتَمَاثَلَانِ فِي حِكْمَةِ الزَّجْرِ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ بِالسِّلَاحِ غَالِبٌ وَبِالْمُثْقَلِ نَادِرٌ،

لِهَذَا الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَعَادَ لَامَ التَّعْلِيلِ فِي الْمَعْقُولِ حَيْثُ قَالَ: وَلِأَنَّ الْآلَةَ قَاتِلَةٌ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْآلَةَ قَاتِلَةٌ إلَخْ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ لَهُمْ قَوْلُهُ «مَنْ غَرَّقَ غَرَّقْنَاهُ» فَلَمْ يَبْقَ فِي حَيِّزِ قَوْلِهِ لَهُمْ إلَّا الْحَدِيثُ فَلَا مَجَالَ لِلتَّوْزِيعِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ أَنْ لَوْ كَانَ الْمَعْنَى لَهُمْ الْحَدِيثُ وَالْمَعْقُولُ، وَعِبَارَةُ الْكِتَابِ تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى لَهُمْ الْحَدِيثُ، وَلَهُمْ الْمَعْقُولُ، وَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا بِمُشَارَكَةِ مَجْمُوعِهِمْ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الدَّلِيلَيْنِ تَأَمَّلْ تَقِفْ

وَقَالَ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: إذْ لِلشَّافِعِيِّ الِاسْتِدْلَال بِالْحَدِيثِ فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ، وَفِي الِاسْتِيفَاءِ

وَلَهُمَا الِاسْتِدْلَال بِالْحَدِيثِ فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ وَلَمْ يَعْمَلَا فِي الِاسْتِيفَاءِ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِقَوْلِهِ «لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ» اهـ

أَقُولُ: وَفِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْقِصَاصِ وَكَيْفِيَّةَ الِاسْتِيفَاءِ إنَّمَا يُسْتَفَادَانِ مِنْ لَفْظٍ وَاحِدٍ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ غَرَّقْنَاهُ، فَالْعَمَلُ بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ مَعَ كَوْنِهِ لَا يَخْلُو عَنْ إشْكَالٍ فِي نَفْسِهِ لَا مُوجِبَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِهِ فِي حَقِّ الِاسْتِيفَاءِ إنَّمَا يَجِبُ أَنْ يُتْرَكَ بِقَوْلِهِ «لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ» أَنْ لَوْ ثَبَتَ تَأَخُّرُ قَوْلِهِ «لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ» عَنْ قَوْلِهِ «مَنْ غَرَّقَ غَرَّقْنَاهُ» أَوْ ثَبَتَ كَوْنُهُ أَقْوَى مِنْهُ وَشَيْءٌ مِنْهُمَا لَمْ يَثْبُتْ لَا يُقَالُ: يَكْفِي التَّعَارُضُ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُمَا إذَا تَعَارَضَا تَسَاقَطَا

لِأَنَّا نَقُولُ: لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا صَحَّ الِاسْتِدْلَال بِقَوْلِهِ «لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ» عَلَى أَنْ لَا يُسْتَوْفَى الْقِصَاصُ إلَّا بِالسَّيْفِ؛ لِأَنَّ السَّاقِطَ لَا يَصْلُحُ لَأَنْ يُتَمَسَّكَ بِهِ مَعَ أَنَّ أَئِمَّتَنَا تَمَسَّكُوا بِهِ فِي ذَلِكَ الْمَطْلَبِ وَاعْتَمَدُوا عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ

ثُمَّ أَقُولُ: الْأَوْلَى عِنْدِي فِي تَوْجِيهِ الْمَقَامِ أَنْ يُقَالَ: الْحَدِيثُ حُجَّةٌ لِأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ كُلِّهِمْ، إلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّ يُبْقِيهِ عَلَى ظَاهِرِهِ فَيَحْمِلُ التَّغْرِيقَ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَأَمَّا الْإِمَامَانِ فَيَحْمِلَانِهِ عَلَى الْكِنَايَةِ عَنْ الْإِهْلَاكِ لِكَوْنِ الْإِهْلَاكِ لَازِمَ التَّغْرِيقِ فَيَصِيرُ مَعْنَى قَوْلِهِ " غَرَّقْنَاهُ " أَهْلَكْنَاهُ، وَيَكُونُ التَّعْبِيرُ بِغَرَّقْنَاهُ لِمُشَاكَلَةِ قَوْلِهِ " مَنْ غَرَّقَ " وَإِنَّمَا يَحْمِلَانِهِ عَلَى ذَلِكَ تَوْفِيقًا بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ «لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ» إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ أَنَّهُ إذَا تَعَارَضَ ظَاهِرُ النَّصَّيْنِ يُطْلَبُ الْمُخَلِّصُ مَهْمَا أَمْكَنَ فِي التَّوْفِيقِ وَالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، وَهَاهُنَا الْمُخَلِّصُ عِنْدَهُمَا يَتَيَسَّرُ بِحَمْلِ التَّغْرِيقِ عَلَى الْإِهْلَاكِ وَالْقَتْلِ عَلَى سَبِيلِ الْكِنَايَةِ تَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَلَهُ قَوْلُهُ «أَلَا إنَّ قَتِيلَ خَطَإِ الْعَمْدِ قَتِيلُ السَّوْطِ وَالْعَصَا» وَفِيهِ «وَفِي كُلِّ خَطَإٍ أَرْشٌ») أَقُولُ فِي دَلَالَةِ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مُدَّعَى أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي مَسْأَلَةِ التَّغْرِيقِ خَفَاءٌ كَمَا تَرَى، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ أَحَدٌ مِنْ الشُّرَّاحِ لِبَيَانِ وَجْهِ دَلَالَتِهِ عَلَى ذَلِكَ،

<<  <  ج: ص:  >  >>