للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِالْعُودِ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ) قَالَ : وَهَذَا إذَا أَصَابَهُ بِحَدِّ الْحَدِيدِ لِوُجُودِ الْجُرْحِ فَكَمُلَ السَّبَبُ، وَإِنْ أَصَابَهُ بِظَهْرِ الْحَدِيدِ فَعِنْدَهُمَا يَجِبُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ اعْتِبَارًا مِنْهُ لِلْآلَةِ، وَهُوَ الْحَدِيدُ

وَعَنْهُ إنَّمَا يَجِبُ إذَا جَرَحَ، وَهُوَ الْأَصَحُّ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَعَلَى هَذَا الضَّرْبُ بِسِنْجَاتِ الْمِيزَانِ؛ وَأَمَّا إذَا ضَرَبَهُ بِالْعُودِ فَإِنَّمَا تَجِبُ الدِّيَةُ لِوُجُودِ قَتْلِ النَّفْسِ الْمَعْصُومَةِ وَامْتِنَاعِ الْقِصَاصِ حَتَّى لَا يُهْدَرَ الدَّمُ، ثُمَّ قِيلَ: هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعَصَا الْكَبِيرَةِ فَيَكُونُ قَتْلًا بِالْمُثْقَلِ، وَفِيهِ خِلَافُ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا نُبَيِّنُ، وَقِيلَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ السَّوْطِ، وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمُوَالَاةِ

لَهُ أَنَّ الْمُوَالَاةَ فِي الضَّرَبَاتِ إلَى أَنْ مَاتَ دَلِيلُ الْعَمْدِيَّةِ فَيَتَحَقَّقُ الْمُوجِبُ

وَلَنَا مَا رَوَيْنَا «أَلَا إنَّ قَتِيلَ خَطَإِ الْعَمْدِ» وَيُرْوَى " شِبْهِ الْعَمْدِ " الْحَدِيثَ وَلِأَنَّ فِيهِ شُبْهَةَ عَدَمِ الْعَمْدِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمُوَالَاةَ قَدْ تُسْتَعْمَلُ لِلتَّأْدِيبِ أَوْ لَعَلَّهُ اعْتَرَاهُ الْقَصْدُ فِي خِلَالِ الضَّرَبَاتِ فَيَعْرَى أَوَّلُ الْفِعْلِ عَنْهُ وَعَسَاهُ أَصَابَ الْمَقْتَلَ، وَالشُّبْهَةُ دَارِئَةٌ لِلْقَوَدِ فَوَجَبَ الدِّيَةُ

قَالَ (وَمَنْ غَرَّقَ صَبِيًّا أَوْ بَالِغًا فِي الْبَحْرِ فَلَا قِصَاصَ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ: يُقْتَصُّ مِنْهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، غَيْرَ أَنَّ عِنْدَهُمَا يُسْتَوْفَى حَزًّا وَعِنْدَهُ يُغَرَّقُ كَمَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ

لَهُمْ قَوْلُهُ «مَنْ غَرَّقَ غَرَّقْنَاهُ» وَلِأَنَّ الْآلَةَ قَاتِلَةٌ فَاسْتِعْمَالُهَا أَمَارَةُ الْعَمْدِيَّةِ،

احْتِمَالُ الْعَفْوِ فِي الْحَالِ وَعَدَمُهُ، فَإِنَّ الْعَفْوَ فِي الْغَائِبِ مَوْهُومٌ حَالَ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْغَائِبُ عَفَا، وَالْحَاضِرُ لَا يَشْعُرُ بِهِ فَلَوْ اسْتَوْفَى كَانَ اسْتِيفَاءً مَعَ الشُّبْهَةِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ

وَأَمَّا الْعَفْوُ فِي الصَّغِيرِ فَمَأْيُوسٌ حَالَ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعَفْوِ، وَإِنَّمَا يُتَوَهَّمُ الْعَفْوُ مِنْهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ، وَالشُّبْهَةُ فِي الْمَالِ لَا تُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى سَدِّ بَابِ الْقِصَاصِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَنْدَمَ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ عَلَى قَتْلِهِ

وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ كَذَا فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْإِمَامِ الْمَحْبُوبِيِّ

أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْغَائِبِ شُعُورٌ أَصْلًا بِكَوْنِ قَرِيبِهِ مَقْتُولًا بِأَنْ كَانَ فِي مَسِيرَةِ سَنَةٍ مَثَلًا مِنْ مَوْضِعِ الْقَتْلِ فَأَنَّى يُتَوَهَّمُ مِنْهُ الْعَفْوُ فِي الْحَالِ؛ إذْ الْعَفْوُ عَنْ الشَّيْءِ فَرْعُ الشُّعُورِ بِهِ، فَحَيْثُ لَا شُعُورَ بِهِ لَا يُتَصَوَّرُ الْعَفْوُ عَنْهُ، وَمَسْأَلَةُ الْغَائِبِ تَعُمُّ مِثْلَ هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْضًا فَكَيْفَ يَتِمُّ فِيهَا مَا ذَكَرُوا مِنْ التَّفْرِقَةِ

ثُمَّ أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يُدْفَعَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ الْغَائِبُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ أَوْ قَبْلَهَا كُلُّ حَقٍّ يَثْبُتُ لِي عَلَى الْغَيْرِ فَإِنِّي عَفَوْتُهُ وَبَرِئْت مِنْهُ، فَيَنْدَرِجُ فِي هَذِهِ الْكُلِّيَّةِ عَفَوْهُ عَنْ قَتْلِ قَرِيبِهِ أَيْضًا، وَلَا يَلْزَمُ الشُّعُورُ بِخُصُوصِهِ فَهَذَا الِاحْتِمَالُ فِي صُورَةِ أَنْ كَانَ بَعْضُ الْأَوْلِيَاءِ غَائِبًا، وَإِنْ كَانَ مَوْهُومًا يُورِثُ شُبْهَةً فِي الْحَالِ فَلَا يُسْتَوْفَى الْقِصَاصُ بِهَا بِالْإِجْمَاعِ، وَلَعَلَّ حَلَّ هَذَا الْمَقَامِ بِهَذَا الْوَجْهِ مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ، وَقَدْ أَهْمَلَهُ الْجُمْهُورُ

(قَوْلُهُ: ثُمَّ قِيلَ: هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعَصَا الْكَبِيرَةِ فَيَكُونُ قَتْلًا بِالْمُثْقَلِ، وَفِيهِ خِلَافُ أَبِي حَنِيفَةَ) أَقُولُ: كَانَ حَقُّ التَّحْرِيرِ هُنَا أَنْ يَقُولَ: وَفِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ فِيمَا سَبَقَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وُجُوبُ الدِّيَةِ عِنْدَ الْإِصَابَةِ بِالْعُودِ لَا وُجُوبُ الْقَوَدِ عِنْدَ ذَلِكَ، وَخِلَافُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي وُجُوبِ الْقَوَدِ فِي الْقَتْلِ بِالْمُثْقَلِ لَا فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ فِيهِ فَإِنَّ وُجُوبَهَا فِيهِ عَيْنُ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيهِ لِأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ

وَقُصُورُ تَحْرِيرِ الْمُصَنِّفِ هُنَا مَعَ كَوْنِهِ ظَاهِرًا جِدًّا لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ أَحَدٌ مِنْ الشُّرَّاحِ لَا مِنْ جِهَةِ الْقَدْحِ وَلَا مِنْ جِهَةِ التَّوْجِيهِ فَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَتَنَبَّهُوا لَهُ

(قَوْلُهُ لَهُمْ قَوْلُهُ «مَنْ غَرَّقَ غَرَّقْنَاهُ») قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَقَوْلُهُ لَهُمْ: أَيْ لِلشَّافِعِيِّ وَلَهُمَا لَكِنْ لِلشَّافِعِيِّ الِاسْتِدْلَال بِالْحَدِيثِ وَلَهُمَا الِاسْتِدْلَال بِالْمَعْقُولِ اهـ وَتَبِعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّرَّاحِ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ حَيْثُ قَالَ: وَقَوْلُهُ لَهُمْ: أَيْ لِأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ، لَكِنْ اسْتِدْلَالُ الشَّافِعِيِّ بِالْحَدِيثِ وَاسْتِدْلَالُهُمَا بِالْمَعْقُولِ اهـ

أَقُولُ: لَا مُسَاعَدَةَ فِي عِبَارَةِ الْمَشْرُوحِ

<<  <  ج: ص:  >  >>