للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ: (وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ شِبْهُ عَمْدٍ إنَّمَا هُوَ عَمْدٌ أَوْ خَطَأٌ) لِأَنَّ شِبْهَ الْعَمْدِ يَعُودُ إلَى الْآلَةِ، وَالْقَتْلُ هُوَ الَّذِي يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهَا دُونَ مَا دُونَ النَّفْسِ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ إتْلَافُهُ بِاخْتِلَافِ الْآلَةِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْعَمْدُ وَالْخَطَأُ.

(وَلَا قِصَاصَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ، وَلَا بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ، وَلَا بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إلَّا فِي الْحُرِّ يَقْطَعُ طَرَفَ الْعَبْدِ. وَيُعْتَبَرُ الْأَطْرَافُ بِالْأَنْفُسِ لِكَوْنِهَا تَابِعَةً لَهَا.

وَكَأَنَّ مَأْخَذَ مَتْنِ الْوِقَايَةِ هُوَ الْهِدَايَةُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُهُ، وَكَذَا ذُكِرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمُتُونِ. ثُمَّ إنَّ التَّحْقِيقَ هَاهُنَا هُوَ أَنَّهُ إذَا قَلَعَ سِنَّ غَيْرِهِ هَلْ يُقْلَعُ سِنُّهُ قِصَاصًا أَمْ يُبْرَدُ بِالْمِبْرَدِ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى اللَّحْمِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ كَمَا أَفْصَحَ عَنْهُ فِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ حَيْثُ قَالَ: إنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ بِكَسْرِ بَعْضِ السِّنِّ يُؤْخَذُ مِنْ سِنِّ الْكَاسِرِ بِالْمِبْرَدِ مِقْدَارُ مَا كَسَرَ مِنْ سِنِّ الْآخَرِ وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ بِقَلْعِ سِنٍّ ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ لَا يُقْلَعُ سِنُّ الْقَالِعِ وَلَكِنْ يُبْرَدُ سِنُّ الْقَالِعِ بِالْمِبْرَدِ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى اللَّحْمِ وَيَسْقُطُ الْبَاقِي، وَإِلَيْهِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ، وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِهِ أَنَّهُ يُقْلَعُ سِنُّ الْقَالِعِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ حَيْثُ ذَكَرَ بِلَفْظِ النَّزْعِ، وَالنَّزْعُ وَالْقَلْعُ وَاحِدٌ. وَفِي الزِّيَادَاتِ نَصَّ عَلَى الْقَلْعِ، إلَى هُنَا لَفْظُ الْمُحِيطِ

(قَوْلُهُ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ شِبْهُ عَمْدٍ إنَّمَا هُوَ عَمْدٌ أَوْ خَطَأٌ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: قَدْ ذَكَرَهُ مَرَّةً لَكِنَّهُ ذَكَرَ هُنَاكَ أَنَّهُ عَمْدٌ وَهَاهُنَا أَنَّهُ عَمْدٌ أَوْ خَطَأٌ فَيُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ إنْ أَمْكَنَ الْقِصَاصُ انْتَهَى. أَقُولُ: يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَمَا تَمَّ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَاكَ بِأَنْ قَالَ: يَعْنِي لَيْسَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ شِبْهُ عَمْدٍ إنَّمَا هُوَ عَمْدٌ أَوْ خَطَأٌ، فَإِنَّ مُقْتَضَى ذَلِكَ الشَّرْحُ أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَ كَلَامَيْ الْمُصَنِّفِ فِي الْمَقَامَيْنِ فَرْقٌ كَمَا لَا يَخْفَى ثُمَّ أَقُولُ: التَّحْقِيقُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَاهُنَا عِبَارَةُ الْقُدُورِيِّ وَمَا ذَكَرَهُ فِيمَا سَبَقَ عِبَارَةُ نَفْسِهِ، وَإِنَّ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْعِبَارَتَيْنِ مَعْنًى مُغَايِرٌ لِمَعْنَى الْأُخْرَى، فَإِنَّ مَا سَبَقَ هَكَذَا: وَمَا يَكُونُ شِبْهُ عَمْدٍ فِي النَّفْسِ فَهُوَ عَمْدٌ فِيمَا ` سِوَاهَا، وَمَعْنَاهُ أَنَّ مَا يَكُونُ شِبْهَ عَمْدٍ فِي النَّفْسِ وَهُوَ تَعَمُّدُ الضَّرْبِ بِمَا لَيْسَ بِسِلَاحٍ وَلَا مَا أُجْرِيَ مَجْرَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>