وَلَنَا أَنَّ الْأَطْرَافَ يَسْلُكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ فَيَنْعَدِمُ التَّمَاثُلُ بِالتَّفَاوُتِ فِي الْقِيمَةِ، وَهُوَ مَعْلُومٌ قَطْعًا بِتَقْوِيمِ الشَّرْعِ فَأَمْكَنَ اعْتِبَارُهُ. بِخِلَافِ التَّفَاوُتِ فِي الْبَطْشِ لِأَنَّهُ لَا ضَابِطَ لَهُ فَاعْتُبِرَ أَصْلُهُ، وَبِخِلَافِ الْأَنْفُسِ لِأَنَّ الْمُتْلَفَ إزْهَاقُ الرُّوحِ وَلَا تَفَاوَتَ فِيهِ.
(وَيَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْأَطْرَافِ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ) لِلتَّسَاوِي بَيْنَهُمَا فِي الْأَرْشِ. .
السِّلَاحِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَبِمَا لَا يُقْتَلُ بِهِ غَالِبًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ فَهُوَ عَمْدٌ فِيمَا سِوَى النَّفْسِ سَوَاءٌ أَمْكَنَ الْقِصَاصُ بِهِ أَوْ لَمْ يُمْكِنْ لِمَانِعٍ يَمْنَعُ عَنْهُ، فَإِنَّ سُقُوطَ الْقِصَاص لِمَانِعٍ يَقَعُ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ فِي النَّفْسِ، كَمَا إذَا قَتَلَ الْأَبُ ابْنَهُ عَمْدًا وَكَمَا إذَا وَرِثَ الِابْنُ قِصَاصًا عَلَى أَبِيهِ، فَلَأَنْ يَقَعَ فِي الْعَمْدِ فِي الْأَطْرَافِ أَوْلَى، وَمَعْنَى قَوْلِهِ هَاهُنَا إنَّمَا هُوَ عَمْدٌ أَوْ خَطَأٌ أَنَّ الَّذِي كَانَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ عَمْدٌ أَوْ خَطَأٌ لَا أَنَّ شِبْهَ الْعَمْدِ عَمْدٌ أَوْ خَطَأٌ، فَإِنَّ ضَمِيرَ هُوَ فِي قَوْلِهِ إنَّمَا هُوَ عَمْدٌ أَوْ خَطَأٌ رَاجِعٌ إلَى مَا كَانَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ لَا إلَى شِبْهِ عَمْدٍ، إذْ لَا مَجَالَ لَأَنْ يَكُونَ شِبْهُ الْعَمْدِ خَطَأً لَا فِي النَّفْسِ وَلَا فِي الْأَطْرَافِ، لِأَنَّ تَعَمُّدَ الضَّرْبِ مُعْتَبَرٌ فِي مَفْهُومِ شِبْهِ الْعَمْدِ وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي الْخَطَأِ، فَإِذَا كَانَ مَعْنَيَا الْكَلَامَيْنِ فِي الْمَقَامَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ بِالْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فَلَا احْتِيَاجَ إلَى تَوْجِيهِ مَا سَبَقَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ إنْ أَمْكَنَ الْقِصَاصُ، بَلْ لَا وَجْهَ لَهُ كَمَا تَحَقَّقْتُهُ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ فَتَبَصَّرْ.
(قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ الْأَطْرَافَ يَسْلُكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ فَيَنْعَدِمُ التَّمَاثُلُ بِالتَّفَاوُتِ فِي الْقِيمَةِ) قَالَ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ: قَوْله تَعَالَى ﴿وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ﴾ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ مُطْلَقٌ يَتَنَاوَلُ مَوْضِعَ النِّزَاعِ فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَيْكُمْ. قُلْنَا: قَدْ خُصُّ مِنْهُ الْحَرْبِيُّ وَالْمُسْتَأْمَنُ، وَالنَّصُّ الْعَامُّ إذَا خُصَّ مِنْهُ شَيْءٌ يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَخَصَّصْنَاهُ بِمَا رُوِيَ عَنْ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ أَنَّهُ قَالَ «قَطَعَ عَبْدٌ لِقَوْمٍ فُقَرَاءَ أُذُنَ عَبْدٍ لِقَوْمٍ أَغْنِيَاءَ، فَاخْتَصَمُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَلَمْ يَقْضِ بِالْقِصَاصِ» انْتَهَى.
أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ أَنَّ النَّصَّ الْعَامَّ إذَا خُصَّ مِنْهُ شَيْءٌ بِكَلَامٍ مُسْتَقِلٍّ مَوْصُولٍ بِهِ يَكُونُ ذَلِكَ الْعَامُّ الْمَخْصُوصُ مِنْهُ الْبَعْضُ ظَنِّيًّا فِي الْبَاقِي فَيَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَأَمَّا إذَا أُخْرِجَ مِنْ النَّصِّ الْعَامِّ شَيْءٌ بِمَا هُوَ مَفْصُولٌ عَنْهُ غَيْرُ مَوْصُولٍ بِهِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ ظَنِّيًّا فِي الْبَاقِي بَلْ يَكُونُ بَاقِيًا عَلَى حَالَتِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute