للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

«مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ» الْحَدِيثُ، وَالْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الْأَخْذُ بِالرِّضَا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَهُوَ الصُّلْحُ بِعَيْنِهِ، وَلِأَنَّهُ حَقٌّ ثَابِتٌ لِلْوَرَثَةِ يَجْرِي فِيهِ الْإِسْقَاطُ عَفْوًا فَكَذَا تَعْوِيضًا لِاشْتِمَالِهِ عَلَى إحْسَانِ الْأَوْلِيَاءِ وَإِحْيَاءِ الْقَاتِلِ فَيَجُوزُ بِالتَّرَاضِي. وَالْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ فِيهِ سَوَاءٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ مُقَدَّرٌ فَيُفَوَّضُ إلَى اصْطِلَاحِهِمَا كَالْخُلْعِ وَغَيْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوا حَالًّا وَلَا مُؤَجَّلًا فَهُوَ حَالٌّ لِأَنَّهُ مَالٌ وَاجِبٌ بِالْعَقْدِ، وَالْأَصْلُ فِي أَمْثَالِهِ الْحُلُولُ نَحْوُ الْمَهْرِ وَالثَّمَنِ، بِخِلَافِ الدِّيَةِ لِأَنَّهَا مَا وَجَبَتْ بِالْعَقْدِ. .

قَالَ: (وَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ حُرًّا وَعَبْدًا فَأَمَرَ الْحُرُّ وَمَوْلَى الْعَبْدِ رَجُلًا بِأَنْ يُصَالِحَ عَنْ دَمِهِمَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَفَعَلَ فَالْأَلْفُ عَلَى الْحُرِّ وَالْمَوْلَى نِصْفَانِ) لِأَنَّ عَقْدَ الصُّلْحِ أُضِيفَ إلَيْهِمَا.

(وَإِذَا عَفَا أَحَدُ الشُّرَكَاءِ مِنْ الدَّمِ أَوْ صَالَحَ مِنْ نَصِيبِهِ عَلَى عِوَضٍ سَقَطَ حَقُّ الْبَاقِينَ عَنْ الْقِصَاصِ وَكَانَ لَهُمْ نُصِيبُهُمْ مِنْ الدِّيَةِ).

أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ الصُّلْحَ عَنْ الْقِصَاصِ مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ مَسَائِلِ هَذَا الْفَصْلِ، وَبَيَانُ وَجْهِ اتِّبَاعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَحْدَهَا لَا يَكْفِي فِي اتِّبَاعِ جَمِيعِ مَا شَمِلَهُ هَذَا الْفَصْلُ مِنْ الْمَسَائِلِ الْكَثِيرَةِ الْمُخْتَلِفَةِ كَمَا تَرَى وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ كَوْنَ تَصَوُّرِ الصُّلْحِ عَنْ الْجِنَايَةِ بَعْدَ تَصَوُّرِ الْجِنَايَةِ وَمُوجِبِهَا إنَّمَا يَقْتَضِي مُجَرَّدَ اتِّبَاعِهِ ذَلِكَ وَتَأْخِيرِهِ عَنْهُ لَا ذِكْرُهُ فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ، فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ فِي تَالِي الشَّرْطِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ أَتْبَعَهُ ذَلِكَ فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ حَقٌّ ثَابِتٌ لِلْوَرَثَةِ يَجْرِي فِيهِ الْإِسْقَاطُ عَفْوًا فَكَذَلِكَ تَعْوِيضًا) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا يَلْزَمُ مِنْ جَرَيَانِ الْإِسْقَاطِ عَفْوًا فِي شَيْءٍ جَرَيَانُهُ تَعْوِيضًا أَيْضًا فِيهِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ لِلشَّفِيعِ إسْقَاطَ حَقِّ شُفْعَتِهِ بِلَا عِوَضٍ بَعْدَ أَنْ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الشُّفْعَةِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُصَالِحَ عَنْ حَقِّ شُفْعَتِهِ عَلَى مَالٍ كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ فَلْيُتَأَمَّلْ فِي الدَّفْعِ

(قَوْلُهُ وَإِذَا عَفَا أَحَدُ الشُّرَكَاءِ مِنْ الدَّمِ أَوْ صَالَحَ مِنْ نَصِيبِهِ عَلَى عِوَضٍ سَقَطَ حَقُّ الْبَاقِينَ مِنْ الْقِصَاصِ وَكَانَ لَهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنْ الدِّيَةِ) أَقُولُ: فِي عِبَارَةِ الْكِتَابِ هَاهُنَا فُتُورٌ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ أَنَّ كَلِمَةَ عَفَا تُعَدَّى بِعَنْ وَقَدْ عَدَّاهَا فِي الْكِتَابِ بِمِنْ حَيْثُ قَالَ: مِنْ الدَّمِ.

وَالثَّانِي أَنَّهُ يُقَالُ صَالَحَ عَنْ كَذَا عَلَى عِوَضٍ، وَذَكَرَ فِي الْكِتَابِ كَلِمَةَ مِنْ مَوْضِعَ كَلِمَةِ عَنْ حَيْثُ قَالَ: أَوْ صَالَحَ مِنْ نَصِيبِهِ عَلَى عِوَضٍ وَالثَّالِثُ أَنَّ عِبَارَةَ النَّصِيبِ فِي قَوْلِهِ أَوْ صَالَحَ مِنْ نَصِيبِهِ تُوهِمُ تَجَزُّؤَ الْقِصَاصِ لِأَنَّ النَّصِيبَ هُوَ الْحِصَّةُ، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِيمَا مَرَّ أَنَّ الْقِصَاصَ غَيْرُ مُتَجَزِّئ فَيَثْبُتُ كَامِلًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ، فَالْأَظْهَرُ فِي وَضْعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُقَالَ: وَإِذَا عَفَا أَحَدُ الشُّرَكَاءِ عَنْ الدَّمِ أَوْ صَالَحَ عَنْ حَقِّهِ عَلَى عِوَضٍ سَقَطَ حَقُّ الْبَاقِينَ فِي الْقِصَاصِ وَكَانَ لَهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنْ الدِّيَةِ، وَالتَّعْبِيرُ بِالنَّصِيبِ إنَّمَا أَصَابَ الْمُجَزَّءَ فِي قَوْلِهِ وَكَانَ لَهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنْ الدِّيَةِ لِأَنَّ الدِّيَةَ مُتَجَزِّئَةٌ لِكَوْنِهَا مِنْ قَبِيلِ الْأَمْوَالِ فَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نَصِيبٌ مِنْهَا بِقَدْرِ حَقِّهِ مِنْ الْإِرْثِ.

وَأَمَّا حَقُّ التَّعْبِيرِ فِي شَأْنِ الْقِصَاصِ فَأَنْ يَذْكُرَ لَفْظَ الْحَقِّ بَدَلَ لَفْظِ النَّصِيبِ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ وَعَنْ هَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ عِنْدَ تَقْرِيرِ دَلِيلِنَا عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.

وَمِنْ ضَرُورَةِ سُقُوطِ حَقِّ الْبَعْضِ فِي الْقِصَاصِ سُقُوطُ حَقِّ الْبَاقِينَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>