للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلِأَنَّهُ وُجِدَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جُرْحٌ صَالِحٌ لِلْإِزْهَاقِ فَيُضَافُ إلَى كُلٍّ مِنْهُمْ إذْ هُوَ لَا يَتَجَزَّأُ،.

أَقُولُ: فِيهِ إشْكَالٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ كَوْنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَاتَلَا بِوَصْفِ الْكَمَالِ أَمْرٌ مُتَعَذِّرٌ لِاسْتِلْزَامِهِ تَوَارُدَ الْعِلَلِ الْمُسْتَقِلَّةِ بِالِاجْتِمَاعِ عَلَى مَعْلُولٍ وَاحِدٍ بِالشَّخْصِ وَهُوَ مُحَالٌ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ.

وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ شُرَّاحَ الْكِتَابِ وَغَيْرَهُمْ صَرَّحُوا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ جَوَابَ الْمَسْأَلَةِ جَوَابُ الِاسْتِحْسَانِ، وَالْقِيَاسُ لَا يَقْتَضِيهِ، لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْقِصَاصِ الْمُمَاثَلَةُ وَلَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ الْوَاحِدِ وَالْجَمَاعَةِ قَطْعًا بَلْ بَدِيهَةً، لَكِنَّا تَرَكْنَا الْقِيَاسَ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى قَتْلِ جَمَاعَةٍ بِوَاحِدٍ، فَالْقَوْلُ هَاهُنَا بِتَحَقُّقِ التَّمَاثُلِ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ أَيْضًا يُنَافِي ذَلِكَ، إذْ يَلْزَمُ حِينَئِذٍ أَنْ يَكُونَ جَوَابُ الْمَسْأَلَةِ هُنَاكَ جَوَابَ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ مَعًا.

فَإِنْ قُلْت: لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَاتِلٌ بِوَصْفِ الْكَمَالِ حَقِيقَةً، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَاتِلٌ بِوَصْفِ الْكَمَالِ فِي اعْتِبَارِ الشَّرْعِ تَحْقِيقًا لِلْمُمَاثَلَةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْقِصَاصِ فَيَحْصُلُ الْجَوَابُ عَنْ وَجْهَيْ الْإِشْكَالِ مَعًا.

قُلْت: تَوَارُدُ الْعِلَّتَيْنِ الْمُسْتَقِلَّتَيْنِ بِالِاجْتِمَاعِ عَلَى مَعْلُولٍ وَاحِدٍ بِالشَّخْصِ مُمْتَنِعٌ عَقْلِيٌّ، وَاعْتِبَارُ الشَّرْعِ مَا هُوَ مُمْتَنِعُ الْوُقُوعِ وَاقِعًا مِمَّا لَا وُقُوعَ لَهُ فِي شَيْءٍ، وَلَوْ فَرَضْنَا وُقُوعَهُ لَا يَظْهَرُ لَهُ فَائِدَةٌ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ شَرْعَ الْمُمَاثَلَةِ فِي الْقِصَاصِ لِئَلَّا يَلْزَمَ الظُّلْمُ عَلَى الْمُعْتَدِي عَلَى تَقْدِيرِ الزِّيَادَةِ، وَلِئَلَّا يَلْزَمَ الْبَخْسُ لِحَقِّ الْمُعْتَدَى عَلَيْهِ عَلَى تَقْدِيرِ النُّقْصَانِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الظُّلْمَ وَالْبَخْسَ إنَّمَا يَنْدَفِعَانِ بِتَحَقُّقِ الْمُمَاثَلَةِ الْحَقِيقِيَّةِ.

وَأَمَّا فِي مُجَرَّدِ اعْتِبَارِ غَيْرِ الْمُمَاثِلِ مُمَاثِلًا فَلَا يَخْلُو الْأَمْرُ عَنْ الظُّلْمِ أَوْ الْبَخْسِ حَقِيقَةً، وَهَذَا غَيْرُ وَاقِعٍ بَلْ غَيْرُ جَائِزٍ فِي أَحْكَامِ الشَّرْعِ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ وُجِدَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جُرْحٌ صَالِحٌ لِلْإِزْهَاقِ فَيُضَافُ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إذْ هُوَ لَا يَتَجَزَّأُ) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: حَاصِلُ هَذَا الدَّلِيلِ بَيَانُ وَجْهِ قَوْلِهِ فِي الدَّلِيلِ الْأَوَّلِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَاتِلٌ بِوَصْفِ الْكَمَالِ فَلَا وَجْهَ لِجَعْلِهِ دَلِيلًا مُسْتَقِلًّا مَعْطُوفًا عَلَى الدَّلِيلِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ وَلِأَنَّهُ وُجِدَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ إلَخْ. ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ قَالَ فِي شَرْعِ هَذَا الدَّلِيلِ: يَعْنِي أَنَّ الْقَتْلَ جُرْحٌ صَالِحٌ لِإِزْهَاقِ الرُّوحِ، وَقَدْ وُجِدَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِحَيْثُ لَوْ انْفَرَدَ عَنْ الْبَاقِينَ كَانَ قَاتِلًا بِصِفَةِ الْكَمَالِ. وَالْحُكْمُ إذَا حَصَلَ عَقِيبَ عِلَلٍ لَا بُدَّ مِنْ الْإِضَافَةِ إلَيْهَا، فَإِمَّا أَنْ يُضَافَ إلَيْهَا تَوْزِيعًا أَوْ كَامِلًا، وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ لِعَدَمِ التَّجَزِّي فَتَعَيَّنَ الثَّانِي، وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ جَمَاعَةٌ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ لَا يَقْتُلَ فُلَانًا فَاجْتُمِعُوا عَلَى قَتْلِهِ حَنِثُوا انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ أَنْ لَا يَجُوزَ إضَافَةُ الْقَتْلِ إلَى تِلْكَ الْعِلَلِ تَوْزِيعًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَتْلَ لَا يَتَجَزَّأُ تَعَيَّنَ أَنْ يُضَافَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَامِلًا، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يُضَافَ كَامِلًا إلَى مَجْمُوعِ تِلْكَ الْعِلَلِ مِنْ حَيْثُ هِيَ مَجْمُوعٌ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَوَارُدُ الْعِلَلِ الْمُسْتَقِلَّةِ بِالِاجْتِمَاعِ عَلَى مَعْلُولٍ وَاحِدٍ بِالشَّخْصِ فَحِينَئِذٍ لَا يَتِمُّ الْمَطْلُوبُ كَمَا لَا يَخْفَى.

وَيُمْكِنُ تَوْجِيهُ مَسْأَلَةِ الْحَلِفِ بِأَنَّ مَدَارَ الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي مَحَلِّهِ، فَإِذَا اجْتَمَعَتْ جَمَاعَةٌ عَلَى قَتْلِ رَجُلٍ وَوُجِدَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جُرْحٌ صَالِحٌ لِإِزْهَاقِ الرُّوحِ يُقَالُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي الْعُرْفِ أَنَّهُ قَتَلَ فُلَانًا، وَإِنْ كَانَ الْقَتْلُ فِي الْحَقِيقَةِ كَامِلًا مُضَافًا إلَى مَجْمُوعِهِمْ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ، فَجَازَ أَنْ يَكُونَ بِنَاءَ حِنْثِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي مَسْأَلَةِ الْحَلِفِ عَلَى الْعُرْفِ. وَأَمَّا الْقِصَاصُ فَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ الْحَقِيقَةُ لَا غَيْرُ.

ثُمَّ أَقُولُ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ ذَيْنِكَ الدَّلِيلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الْكِتَابِ إنَّمَا يَتَمَشَّيَانِ فِيمَا إذَا حَضَرَ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولَيْنِ وَقَتَلُوا الْقَاتِلَ جُمْلَةً، وَأَمَّا فِيمَا إذَا حَضَرَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَقَتَلَ الْقَاتِلَ وَحْدَهُ فَسَقَطَ حَقُّ الْبَاقِينَ كَمَا ذُكِرَ أَيْضًا فِي الْكِتَابِ فَلَا تَمْشِيَةَ لِشَيْءٍ مِنْهُمَا، إذْ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُقَالَ لِأَحَدٍ مِنْ الْبَاقِينَ الْغَيْرِ الْحَاضِرِينَ الَّذِينَ لَمْ يُبَاشِرُوا الْقَتْلَ أَصْلًا إنَّهُ قَاتِلٌ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ قَاتِلٌ بِوَصْفِ الْكَمَالِ، وَكَذَا لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُقَالَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ إنَّهُ وُجِدَ مِنْهُ جُرْحٌ صَالِحٌ لِلْإِزْهَاقِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ لِلْبَاقِينَ الْمَالُ

<<  <  ج: ص:  >  >>