عَلَى تَكْذِيبِهِ إيَّاهُ فِي الْوِكَالَةِ. وَهَذَا أَظْهَرُ لِمَا قُلْنَا، وَفِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَدْفُوعَ حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ لِأَنَّ الْمُؤَدَّى صَارَ حَقًّا لِلْغَائِبِ، إمَّا ظَاهِرًا أَوْ مُحْتَمَلًا فَصَارَ كَمَا إذَا دَفَعَهُ إلَى فُضُولِيٍّ عَلَى رَجَاءِ الْإِجَازَةِ لَمْ يَمْلِكْ الِاسْتِرْدَادَ لِاحْتِمَالِ الْإِجَازَةِ، وَلِأَنَّ مَنْ بَاشَرَ التَّصَرُّفَ لِغَرَضٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَهُ مَا لَمْ يَقَعْ الْيَأْسُ عَنْ غَرَضِهِ.
أَيْ وَكَذَا الْحُكْمُ إذَا دَفَعَ الْغَرِيمُ الْمَالَ إلَى الْوَكِيلِ (عَلَى تَكْذِيبِهِ) أَيْ عَلَى تَكْذِيبِ الْغَرِيمِ (إيَّاهُ) أَيْ الْوَكِيلَ (فِي الْوِكَالَةِ) أَيْ فِي دَعْوَى الْوِكَالَةِ (وَهَذَا) أَيْ جَوَازُ رُجُوعِ الْمَدْيُونِ عَلَى الْوَكِيلِ فِي صُورَةِ التَّكْذِيبِ (أَظْهَرُ) أَيْ أَظْهَرُ مِنْ جَوَازِ رُجُوعِهِ عَلَيْهِ فِي الصُّورَتَيْنِ الْأَوَّلِيَّيْنِ وَهُمَا صُورَةُ التَّصْدِيقِ مَعَ التَّضْمِينِ وَصُورَةُ السُّكُوتِ، لِأَنَّهُ لَمَّا رَجَعَ عَلَيْهِ فِي تِينِك الصُّورَتَيْنِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُكَذِّبْهُ فِيهِمَا فَلَأَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَقَدْ كَذَّبَهُ فِيهَا أَوْلَى بِالطَّرِيقِ لِأَنَّهُ إذَا كَذَّبَهُ صَارَ الْوَكِيلُ فِي حَقِّهِ بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ وَلِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ حَقُّ الرُّجُوعِ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ قَطْعًا (لِمَا قُلْنَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ وَإِنَّمَا دَفَعَ إلَيْهِ عَلَى رَجَاءِ الْإِجَازَةِ لَكِنَّهُ دَلِيلُ الرُّجُوعِ لَا دَلِيلُ الْأَظْهَرِيَّةِ كَمَا لَا يَخْفَى (وَفِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا) يَعْنِي الْوُجُوهَ الْأَرْبَعَةَ الْمَذْكُورَةَ وَهِيَ دَفْعُهُ مَعَ التَّصْدِيقِ مِنْ غَيْرِ تَضْمِينٍ.
وَدَفْعُهُ بِالتَّصْدِيقِ مَعَ التَّضْمِينِ، وَدَفْعُهُ سَاكِتًا مِنْ غَيْرِ تَصْدِيقٍ وَلَا تَكْذِيبٍ، وَدَفْعُهُ مَعَ التَّكْذِيبِ (لَيْسَ لَهُ) أَيْ لَيْسَ لِلْغَرِيمِ (أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَدْفُوعَ حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ؛ لِأَنَّ الْمُؤَدَّى صَارَ حَقًّا لِلْغَائِبِ، إمَّا ظَاهِرًا) وَهُوَ فِي حَالَةِ التَّصْدِيقِ (أَوْ مُحْتَمَلًا) وَهُوَ فِي حَالَةِ التَّكْذِيبِ، كَذَا فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ.
أَقُولُ: الْحَقُّ فِي بَيَانِ قَوْلِهِ أَوْ مُحْتَمَلًا أَنْ يُقَالَ وَهُوَ فِي حَالَةِ التَّكْذِيبِ وَحَالَةِ السُّكُوتِ لِيَتَنَاوَلَ كَلَامُهُ الْوُجُوهَ الْمَذْكُورَةَ كُلَّهَا. وَقِيلَ ظَاهِرًا إنْ كَانَ الْوَكِيلُ ظَاهِرَ الْعَدَالَةِ، أَوْ مُحْتَمَلًا إنْ كَانَ فَاسِقًا أَوْ مَسْتُورَ الْحَالِ (فَصَارَ) أَيْ صَارَ الْحُكْمُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا (كَمَا إذَا دَفَعَهُ) أَيْ كَمَا إذَا دَفَعَ الْغَرِيمُ الْمَالَ (إلَى فُضُولِيٍّ عَلَى رَجَاءِ الْإِجَازَةِ) مِنْ صَاحِبِ الْمَالِ فَإِنَّ الدَّافِعَ هُنَاكَ (لَمْ يَمْلِكْ الِاسْتِرْدَادَ لِاحْتِمَالِ الْإِجَازَةِ) فَكَذَا هَاهُنَا (وَلِأَنَّ مَنْ بَاشَرَ التَّصَرُّفَ لِغَرَضٍ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ الْمُؤَدَّى صَارَ حَقًّا لِلْغَائِبِ (لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَهُ مَا لَمْ يَقَعْ الْيَأْسُ عَنْ غَرَضِهِ) أَيْ عَنْ حُصُولِ غَرَضِهِ لِأَنَّ سَعْيَ الْإِنْسَانِ فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ مَرْدُودٌ كَمَا إذَا كَانَ الشَّفِيعُ وَكِيلَ الْمُشْتَرِي لَيْسَ لَهُ الشُّفْعَةُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ الشُّفْعَةُ كَانَ سَعْيًا فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ وَهُوَ الْبَيْعُ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْغَرِيمَ إذَا أَنْكَرَ الْوِكَالَةَ هَلْ يَحْلِفُ أَوْ لَا؟ قَالَ الْخَصَّافُ: لَا يَحْلِفُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَيَحْلِفُ عَلَى قَوْلِهِمَا لِأَنَّهُ ادَّعَى عَلَيْهِ مَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ فَإِذَا أَنْكَرَهُ يَحْلِفُ، لَكِنَّهُ عَلَى الْعِلْمِ لِأَنَّهُ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute