للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَمَنْ قَالَ إنِّي وَكِيلٌ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ فَصَدَّقَهُ الْمُودِعُ) لَمْ يُؤْمَرْ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِمَالِ الْغَيْرِ، بِخِلَافِ الدَّيْنِ. وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ مَاتَ أَبُوهُ وَتَرَكَ الْوَدِيعَةَ مِيرَاثًا لَهُ وَلَا وَارِثَ لَهُ

وَلَهُ أَنَّ الِاسْتِحْلَافَ يَنْبَنِي عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ، وَمَا لَمْ تَثْبُتْ نِيَابَتُهُ عَنْ الْآمِرِ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَاهُ فَلَا يُسْتَحْلَفُ، وَكَذَا لَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا أَقَرَّ بِالْوِكَالَةِ وَأَنْكَرَ الدَّيْنَ، وَالْحُكْمُ فِيهِ عَلَى عَكْسِ ذَلِكَ يَسْتَحْلِفُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَكِيلَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ عِنْدَهُ، وَقَدْ تَثْبُتُ الْوِكَالَةُ فِي حَقِّهِ بِإِقْرَارِهِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ أَخْذًا مِنْ النِّهَايَةِ.

وَذَكَرَ فِي الْكَافِي أَنَّهُ إنْ دَفَعَ الْغَرِيمُ الْمَالَ إلَى الْوَكِيلِ ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِوَكِيلٍ أَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى إقْرَارِهِ أَنَّ الطَّالِبَ مَا وَكَّلَهُ لَا تُقْبَلُ، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ عَلَى ذَلِكَ لَا يَحْلِفُ عَلَيْهِ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ يَنْبَنِي عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ وَلَمْ تُوجَدْ لِكَوْنِهِ سَاعِيًا فِي نَقْضِ مَا أَوْجَبَهُ الْغَائِبُ، فَإِنْ أَقَامَ الْغَرِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ الطَّالِبَ جَحَدَ الْوِكَالَةَ وَقَبَضَ الْمَالَ مِنِّي تُقْبَلُ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ لِنَفْسِهِ حَقَّ الرُّجُوعِ عَلَى الْوَكِيلِ بِنَاءً عَلَى إثْبَاتِ سَبَبِ انْقِطَاعِ حَقِّ الطَّالِبِ عَنْ الْمَدْفُوعِ وَهُوَ قَبْضُهُ الْمَالَ بِنَفْسِهِ، فَانْتَصَبَ الْحَاضِرُ خَصْمًا مِنْ الْغَائِبِ فِي إثْبَاتِ السَّبَبِ فَيَثْبُتُ قَبْضُ الْمُوَكِّلِ فَيَنْتَقِضُ قَبْضُ الْوَكِيلِ ضَرُورَةً، وَجَازَ أَنْ يَثْبُتَ الشَّيْءُ ضِمْنًا وَضَرُورَةً وَلَا يَثْبُتُ مَقْصُودًا اهـ

(وَمَنْ قَالَ إنِّي وَكِيلٌ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ فَصَدَّقَهُ الْمُودَعُ لَمْ يُؤْمَرْ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ) هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ، عَلَّلَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُودَعَ بِفَتْحِ الدَّالِ (أَقَرَّ لَهُ) أَيْ لِلْوَكِيلِ (بِمَالِ الْغَيْرِ) وَهُوَ الْمُودِعُ بِكَسْرِ الدَّالِ، فَإِنَّهُ أَقَرَّ بِبَقَاءِ الْوَدِيعَةِ عَلَى مِلْكِ الْمُودَعِ، وَالْإِقْرَارُ بِمَالِ الْغَيْرِ بِحَقِّ الْقَبْضِ غَيْرُ صَحِيحٍ (بِخِلَافِ الدَّيْنِ) حَيْثُ يُؤْمَرُ الْمَدْيُونُ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْوَكِيلِ الَّذِي صَدَّقَهُ فِي وِكَالَتِهِ عَلَى مَا مَرَّ، فَإِنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا فَكَانَ إقْرَارُ الْمَدْيُونِ إقْرَارًا عَلَى نَفْسِهِ بِحَقِّ الْمُطَالَبَةِ وَالْقَبْضِ، كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ.

ثُمَّ إنَّ الْوُجُوهَ الْأَرْبَعَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْوَكِيلِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ وَارِدَةٌ فِي الْوَكِيلِ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ أَيْضًا؛ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: وَإِذَا قَبَضَ رَجُلٌ وَدِيعَةَ رَجُلٍ فَقَالَ رَبُّ الْوَدِيعَةِ مَا وَكَّلْتُك وَحَلَفَ عَلَى ذَلِكَ وَضَمَّنَ مَالَهَا الْمُسْتَوْدَعَ رَجَعَ الْمُسْتَوْدَعُ بِالْمَالِ عَلَى الْقَابِضِ إنْ كَانَ عِنْدَهُ بِعَيْنِهِ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ، وَإِنْ قَالَ هَلَكَ مِنِّي أَوْ دَفَعْته إلَى الْمُوَكِّلِ فَهُوَ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي قُلْنَا إنْ صَدَّقَهُ الْمُسْتَوْدَعَ فِي الْوِكَالَةِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، وَإِنْ كَذَّبَهُ أَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ وَلَمْ يُكَذِّبْهُ أَوْ صَدَّقَهُ وَضَمَّنَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ لِمَا قُلْنَا اهـ. وَذَكَرَ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ فِي فَصْلِ الْوَدِيعَةِ إذَا لَمْ يُؤْمَرْ بِالتَّسْلِيمِ، وَمَعَ هَذَا سَلَّمَ ثُمَّ أَرَادَ الِاسْتِرْدَادَ هَلْ لَهُ ذَلِكَ؟ ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الِاسْتِرْدَادَ لِأَنَّهُ سَاعٍ فِي نَقْضِ مَا أَوْجَبَهُ.

وَقَالَ أَيْضًا: وَإِذَا لَمْ يُؤْمَرْ بِالتَّسْلِيمِ وَلَمْ يُسَلِّمْ حَتَّى ضَاعَتْ فِي يَدِهِ هَلْ يَضْمَنُ؟ قِيلَ لَا يَضْمَنُ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ وَكِيلِ الْمُودِعِ فِي زَعْمِهِ بِمَنْزِلَةِ الْمَنْعِ مِنْ الْمُودِعِ، وَالْمَنْعُ مِنْ الْمُودِعِ يُوجِبُ الضَّمَانَ فَكَذَا مِنْ وَكِيلِهِ اهـ (وَلَوْ ادَّعَى) أَيْ وَلَوْ ادَّعَى أَحَدٌ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: فَلَوْ ادَّعَى ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ تَفْرِيعًا عَلَى مَسْأَلَةِ الْقُدُورِيِّ (أَنَّهُ) الضَّمِيرُ لِلشَّأْنِ (مَاتَ أَبُوهُ) أَيْ أَبُو الْمُدَّعِي (وَتَرَكَ الْوَدِيعَةَ مِيرَاثًا لَهُ) أَيْ لِلْمُدَّعِي (وَلَا وَارِثَ لَهُ) أَيْ لِلْمَيِّتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>