غَيْرُهُ، وَصَدَّقَهُ الْمُودِعُ أُمِرَ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى مَالُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ
غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ الْمُدَّعِي (وَصَدَّقَهُ الْمُودَعُ أُمِرَ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ) أَيْ أُمِرَ الْمُودَعُ بِدَفْعِ الْوَدِيعَةِ إلَى ذَلِكَ الْمُدَّعِي. أَقُولُ: مِنْ الْعَجَائِبِ هَاهُنَا أَنَّ الشَّارِحَ الْعَيْنِيَّ قَالَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: أَيْ فَلَوْ ادَّعَى مَنْ قَالَ إنِّي وَكِيلٌ أَنَّهُ أَيْ فُلَانًا مَاتَ أَبُوهُ إلَخْ.
وَلَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى مُسْكَةٍ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَسْأَلَةَ الْوِرَاثَةِ ذُكِرَتْ تَفْرِيعًا عَلَى مَسْأَلَةِ الْوِكَالَةِ لِبَيَانِ الِاخْتِلَافِ بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ، وَأَنَّهُ لَا مَجَالَ لَأَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ الْمُسْتَكِنُّ فِي وَلَوْ ادَّعَى أَوْ فَلَوْ ادَّعَى رَاجِعًا إلَى مَنْ قَالَ إنِّي وَكِيلٌ؛ لِأَنَّ الْمُودَعَ لَا يُؤْمَرُ بِالتَّسْلِيمِ إلَى مُدَّعِي الْوِكَالَةِ أَصْلًا. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِ هَاتِيك الْمَسْأَلَةِ (لِأَنَّهُ) أَيْ لِأَنَّ مَالَ الْوَدِيعَةِ (لَا يَبْقَى مَالُهُ) أَيْ لَا يَبْقَى مَالُ الْمُودِعِ (بَعْدَ مَوْتِهِ) أَيْ بَعْدَ مَوْتِ الْمُودِعِ. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: مَالَهُ بِالنَّصْبِ، وَقَالَ هَكَذَا كَانَ مُعْرَبًا بِإِعْرَابِ شَيْخِي: أَيْ لَا يَبْقَى مَالُ الْوَدِيعَةِ مَالً الْمُودِعِ بَعْدَ مَوْتِهِ: أَيْ مَنْسُوبًا إلَيْهِ وَمَمْلُوكًا لَهُ، فَكَانَ انْتِصَابُهُ عَلَى تَأْوِيلِ الْحَالِ كَمَا فِي كَلَّمْته فَاهُ إلَى فِي: أَيْ مُشَافِهًا اهـ. وَقَالَ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ بَعْدَ نَقْلِ مَا فِي النِّهَايَةِ بِعَيْنِهِ: وَيَجُوزُ الرَّفْعُ. وَقَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ: قَوْلُهُ لَا يَبْقَى مَالَهُ بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ حَالٌ كَمَا فِي قَوْلِهِ كَلَّمْته فَاهُ إلَى فِي: يَعْنِي لَا يَبْقَى مَالُ الْوَدِيعَةِ مَالَ أَبِيهِ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ اهـ.
وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَرَوَى صَاحِبُ النِّهَايَةِ عَنْ خَطِّ شَيْخِهِ نَصْبَ مَالِهِ وَوَجَّهَهُ بِكَوْنِهِ حَالًا كَمَا فِي كَلَّمْته فَاهُ إلَى فِي: أَيْ مُشَافِهًا، وَمَعْنَاهُ لَا يَبْقَى مَالُ الْوَدِيعَةِ مَالَ الْمُودِعِ بَعْدَ مَوْتِهِ مَنْسُوبًا إلَيْهِ وَمَمْلُوكًا لَهُ وَتَبِعَهُ غَيْرُهُ مِنْ الشَّارِحِينَ. وَرَأَى أَنَّهُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الْحَالَ مُقَيَّدٌ لِلْعَامِلِ، فَكَلَّمْته يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُقَيَّدًا بِالْمُشَافَهَةِ: أَيْ كَلَّمْته فِي حَالِ الْمُشَافَهَةِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ لَا يَبْقَى مَالُ الْوَدِيعَةِ حَالَ كَوْنِهِ مَالًا مَمْلُوكًا لَهُ مَنْسُوبًا إلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ مَعْنًى ظَاهِرٌ، وَالظَّاهِرُ فِي إعْرَابِهِ الرَّفْعُ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلُ لَا يَبْقَى: أَيْ لِأَنَّ الْمُودِعَ لَا يَبْقَى مَالُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ لِانْتِقَالِهِ إلَى الْوَارِثِ اهـ كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ.
أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْبَلَاغَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي أَمْثَالِ هَذَا التَّرْكِيبِ أَنْ يُعْتَبَرَ الْقَيْدُ أَوَّلًا فَيَئُولَ الْمَعْنَى إلَى نَفْيِ الْقَيْدِ، وَأَنْ يُعْتَبَرَ النَّفْيُ أَوَّلًا فَيَئُولَ الْمَعْنَى إلَى تَقْيِيدِ النَّفْيِ وَيَتَعَيَّنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الِاعْتِبَارَيْنِ بِقَرِينَةٍ تَشْهَدُ لَهُ، فَإِنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ " وَأَمَّا قَوْلُهُ لَا يَبْقَى مَالُ الْمُودِعِ حَالَ كَوْنِهِ مَالًا مَمْلُوكًا لَهُ مَنْسُوبًا إلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ مَعْنًى ظَاهِرٌ " أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَعْنًى ظَاهِرٌ عَلَى الِاعْتِبَارِ الْأَوَّلِ فَمَمْنُوعٌ، إذْ لَا يَخْفَى أَنَّ نَفْيَ بَقَاءِ مَمْلُوكِيَّةِ مَالِ الْوَدِيعَةِ لِلْمُودِعِ وَانْتِسَابِهِ إلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ مَعْنًى ظَاهِرٌ مَقْبُولٌ، وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَعْنًى ظَاهِرٌ عَلَى الِاعْتِبَارِ الثَّانِي فَمُسَلَّمٌ، لَكِنَّ الْمُرَادَ هَاهُنَا هُوَ الِاعْتِبَارُ الْأَوَّلُ كَمَا لَا يَخْفَى. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ رَفْعِ مَالُهُ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلُ لَا يَبْقَى يَصِيرُ الْمَعْنَى لَا يَبْقَى عَيْنُ مَالِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلَيْسَ هَذَا بِمَعْنًى صَحِيحٍ إذَا الْمَالُ بَاقٍ بِعَيْنِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَإِنَّمَا الْمُنْتَفَى بَعْدَ مَوْتِهِ مَمْلُوكِيَّتُهُ وَانْتِسَابُهُ إلَيْهِ، وَذَلِكَ مِنْ أَوْصَافِ الْمَالِ وَأَحْوَالِهِ يُفْهَمُ مِنْ النَّصْبِ عَلَى الْحَالِيَّةِ، وَلَا يُفْهَمُ مِنْ الرَّفْعِ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ إضَافَةِ الْمَالِ إلَى الضَّمِيرِ الرَّاجِعِ إلَى الْمُودِعِ لَكِنَّهُ بَعِيدٌ جِدًّا، فَالظَّاهِرُ فِي إفَادَةِ الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ هُوَ النَّصْبُ كَمَا لَا يَخْفَى.
ثُمَّ إنَّ الشَّارِحَ الْعَيْنِيَّ قَدْ زَادَ فِي الطُّنْبُورِ نَغْمَةً حَيْثُ قَالَ بَعْدَ نَقْلِ مَا فِي النِّهَايَةِ وَمَا الْعِنَايَةِ: وَالصَّوَابُ هُوَ الرَّفْعُ عَلَى مَا قَالَهُ الْأَكْمَلُ. وَقَدْ فَاتَهُ شَيْءٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ مِنْ شَرْطِ الْحَالِ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْمُشْتَقَّاتِ وَالْمَالُ لَيْسَ مِنْهَا، إلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ بِالتَّأْوِيلِ. وَلَوْ قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَمَنْ تَبِعَهُ فِي أَنَّهُ نُصِبَ عَلَى الْحَالِ إنَّهُ حَالٌ عَلَى تَأْوِيلِ مُتَمَوَّلًا: أَيْ لَا يَبْقَى الْمَيِّتُ بَعْدَ مَوْتِهِ مُتَمَوَّلًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute