فِي الِاسْتِحْسَانِ تَجِبُ الدِّيَةُ، لِأَنَّ صُورَةَ الْعَفْوِ أَوْرَثَتْ شُبْهَةً وَهِيَ دَارِئَةٌ لِلْقَوَدِ. وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ السَّارِيَ نَوْعٌ مِنْ الْقَطْعِ، وَأَنَّ السِّرَايَةَ صِفَةٌ لَهُ، بَلْ السَّارِي قَتْلٌ مِنْ الِابْتِدَاءِ، وَكَذَا لَا مُوجِبَ لَهُ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ قَطْعًا فَلَا يَتَنَاوَلُهُ الْعَفْوُ، بِخِلَافِ الْعَفْوِ عَنْ الْجِنَايَةِ لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ، وَبِخِلَافِ الْعَفْوِ عَنْ الشَّجَّةِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الْعَفْوِ عَنْ السِّرَايَةِ وَالْقَتْلِ، وَلَوْ كَانَ الْقَطْعُ خَطَأً فَقَدْ أَجْرَاهُ مَجْرَى الْعَمْدِ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ وِفَاقًا وَخِلَافًا،
دُونَ مُوجِبِ الْقِيَاسِ، إلَّا أَنَّ مُوجِبَ الْقِيَاسِ هُوَ الظَّاهِرُ فِي بَادِئِ الرَّأْيِ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ الْقَطْعُ خَطَأً فَقَدْ أَجْرَاهُ مَجْرَى الْعَمْدِ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ وِفَاقًا وَخِلَافًا) قَالَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ فِي بَيَانِ هَذِهِ الْوُجُوهِ: وَهِيَ الْأَرْبَعَةُ الَّتِي هِيَ الْعَفْوُ عَنْ الْقَطْعِ مُطْلَقًا، وَالْعَفْوُ عَنْ الْقَطْعِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ، وَالْعَفْوُ عَنْ الشَّجَّةِ، وَالْعَفْوُ عَنْ الْجِنَايَةِ انْتَهَى.
أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِسَدِيدٍ، لِأَنَّ مَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا أَنَّ مُحَمَّدًا ﵀ أَجْرَى الْقَطْعَ خَطَأً مَجْرَى الْعَمْدِ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَارَّةِ الَّتِي هِيَ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَالْعَفْوُ عَنْ الشَّجَّةِ لَمْ يَكُنْ مَذْكُورًا فِي كَلَامِ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَطُّ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ حَيْثُ قَالَ: وَكَذَلِكَ الِاخْتِلَافُ فِي الضَّرْبِ وَالشَّجَّةِ وَالْجِرَاحَةِ فِي الْيَدِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَكَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْهِدَايَةِ دُونَ الْبِدَايَةِ حَيْثُ قَالَ: وَعَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ إذَا عَفَا عَنْ الشَّجَّةِ ثُمَّ سَرَّى إلَى النَّفْسِ وَمَاتَ، وَالْمُصَنِّفُ هُنَا بِصَدَدِ بَيَانِ مَا يَتَنَاوَلُهُ كَلَامُ مُحَمَّدٍ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَارَّةِ الَّتِي هِيَ مَسْأَلَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ دَرْجُ الْعَفْوِ عَنْ الشَّجَّةِ فِي مَضْمُونِ ذَلِكَ كَمَا فَعَلَهُ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ حَيْثُ فَسَرُّوا هَذِهِ الْوُجُوهَ فِي قَوْلِهِ فَقَدْ أَجْرَاهُ مَجْرَى الْعَمْدِ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ بِمَا يَشْمَلُ الْعَفْوَ عَنْ الشَّجَّةِ أَيْضًا، فَالْوَجْهُ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِهَذِهِ الْوُجُوهِ هِيَ الْوُجُوهُ الثَّلَاثَةُ، وَهِيَ الْعَفْوُ عَنْ الْقَطْعِ مُطْلَقًا، وَالْعَفْوُ عَنْ الْقَطْعِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ، وَالْعَفْوُ عَنْ الْجِنَايَةِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute