آذَنَ بِذَلِكَ إطْلَاقَهُ، إلَّا أَنَّهُ إنْ كَانَ خَطَأً فَهُوَ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَهُوَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، لِأَنَّ مُوجِبَ الْعَمْدِ الْقَوَدُ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْوَرَثَةِ لِمَا أَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ فَصَارَ كَمَا إذَا أَوْصَى بِإِعَارَةِ أَرْضِهِ.
لِأَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ هِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ.
وَأَمَّا الْعَفْوُ عَنْ الشَّجَّةِ فَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا مَرَّ اسْتِطْرَادًا وَبَيَّنَ أَنَّ حُكْمَهُ كَحُكْمِ مَا ذُكِرَ فِي مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَخْذًا مِمَّا ذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (قَوْلُهُ آذَنَ بِذَلِكَ إطْلَاقُهُ) أَيْ أَعْلَمَ بِذَلِكَ إطْلَاقُ لَفْظِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَمَنْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ فَعَفَا الْمَقْطُوعَةُ يَدُهُ عَنْ الْقَطْعِ حَيْثُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْعَمْدِ وَلَا لِلْخَطَإِ فَكَانَ مُتَنَاوِلًا لَهُمَا، كَذَا فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ.
قَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ بَعْدَ أَنْ شَرَحَ الْمَقَامَ كَذَلِكَ: هَذَا تَقْرِيرُ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ عِنْدَنَا لِأَنَّ مُحَمَّدًا قَيَّدَهُ بِالْعَمْدِ فِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ كَمَا ذَكَرْنَا رِوَايَتَهُ، وَكَذَلِكَ قَيَّدَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَالصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَغَيْرُهُمْ فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِالْعَمْدِ فَلَا يَصِحُّ حِينَئِذٍ دَعْوَى الْإِطْلَاقِ اهـ.
وَأَمَّا مَا عَدَا صَاحِبَ الْغَايَةِ مِنْ الشُّرَّاحِ فَسَأَلُوا هَاهُنَا وَأَجَابُوا حَيْثُ قَالُوا: فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ لَفْظَهُ مُطْلَقٌ بَلْ هُوَ مُقَيَّدٌ بِالْقَطْعِ الْعَمْدِ بِدَلِيلِ جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ فَعَلَى الْقَاطِعِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ فَإِنَّهُ يُبَيِّنُ أَنَّ مُرَادَهُ الْعَمْدُ، لِأَنَّ الدِّيَةَ فِي الْخَطَإِ عَلَى الْعَاقِلَةِ: قُلْنَا: وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ مُطْلَقٌ بِلَا شَكٍّ إذْ الْقَيْدُ غَيْرُ مَلْفُوظٍ، لَكِنَّ الْجَوَابَ إنَّمَا هُوَ لِأَحَدِ نَوْعَيْ الْقَطْعِ فَتَقْدِيرُهُ فَعَلَى الْقَاطِعِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ إنْ كَانَ الْقَطْعُ عَمْدًا، انْتَهَى كَلَامُهُمْ.
أَقُولُ: لَا يَذْهَبُ عَلَيْك أَنَّ جَوَابَهُمْ هَذَا لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ مَقْصُودَ الْمُصَنِّفِ هُنَا بَيَانُ إجْرَاءِ مُحَمَّدٍ الْقَطْعَ خَطَأً مَجْرَى الْعَمْدِ فِي أَحْكَامِ هَذِهِ الْوُجُوهِ وِفَاقًا وَخِلَافًا، وَلَا رَيْبَ أَنَّ حُكْمَ الْمَسْأَلَةِ إنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ جَوَابِهَا، وَإِذَا كَانَ الْجَوَابُ فِي لَفْظِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مَخْصُوصًا بِصُورَةِ الْعَمْدِ فَكَيْفَ يُؤْذَنُ مُجَرَّدُ إطْلَاقِ وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ بِاشْتِرَاكِ نَوْعَيْ الْقَطْعِ فِي الْحُكْمِ، إذْ لَوْ آذَنَ ذَلِكَ بِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْحُكْمِ لَآذَنَ بِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْحُكْمِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ الْجَوَابِ، وَقَوْلُهُ فِيمَا لَهُ مَانِعٌ عَنْ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ فَلَا مُؤْذِنَ لِلِاشْتِرَاكِ قَطُّ فَلَمْ يَتِمَّ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ آذَنَ بِذَلِكَ إطْلَاقَهُ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِأَنَّ مُوجِبَ الْعَمْدِ الْقَوَدُ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْوَرَثَةِ لِمَا أَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: فِيهِ بَحْثٌ، وَهُوَ أَنَّ الْقِصَاصَ مَوْرُوثٌ بِالِاتِّفَاقِ فَكَيْفَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْوَرَثَةِ.
ثُمَّ قَالَ: وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ نَفَى تَعَلُّقَ حَقِّ الْوَرَثَةِ بِهِ لَا كَوْنُهُ مَوْرُوثًا، وَلَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا لِأَنَّ حَقَّ الْوَرَثَةِ إنَّمَا يَثْبُتُ بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ، وَحُكْمُ الْخَلْفِ لَا يَثْبُتُ مَعَ وُجُودِ الْأَصْلِ، وَالْقِيَاسُ فِي الْمَالِ أَيْضًا أَلَّا يَثْبُتَ فِيهِ تَعَلُّقُ حَقِّهِمْ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْمُورَثِ، لَكِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ شَرْعًا بِقَوْلِهِ ﵊ «لَأَنْ تَدَعَ وَرَثَتَك أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ» وَتَرْكُهُمْ أَغْنِيَاءَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِمَا يَتَحَقَّقُ بِهِ الْغِنَى وَهُوَ الْمَالُ، فَلَوْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ لِتَصَرُّفِهِ فِيهِ لَتَرَكَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ، وَالْقِصَاصُ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ لَكِنَّهُ مَوْرُوثٌ انْتَهَى.
أَقُولُ: فِي تَقْرِيرِ الْبَحْثِ الْمَذْكُورِ خَلَلٌ فَاحِشٌ، وَفِي تَحْرِيرِ الْجَوَابِ الْمَزْبُورِ الْتِزَامُ ذَلِكَ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ سَيَجِيءُ فِي أَوَّلِ بَابِ الشَّهَادَةِ فِي الْقَتْلِ أَنَّ الْقِصَاصَ يَثْبُتُ لِوَرَثَةِ الْقَتِيلِ ابْتِدَاءً لَا بِطَرِيقِ الْوِرَاثَةِ مِنْ الْمَقْتُولِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَيَثْبُتُ لِلْقَتِيلِ ابْتِدَاءً، ثُمَّ يَنْتَقِلُ بِمَوْتِهِ إلَى وَرَثَتِهِ بِطَرِيقِ الْوِرَاثَةِ مِنْهُ كَالدَّيْنِ وَالدِّيَةِ، فَقَوْلُهُ ﵀
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute