أَمَّا الْخَطَأُ فَمُوجِبُهُ الْمَالُ، وَحَقُّ الْوَرَثَةِ يَتَعَلَّقُ بِهِ فَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ. .
قَالَ: (وَإِذَا قَطَعَتْ الْمَرْأَةُ يَدَ رَجُلٍ فَتَزَوَّجَهَا عَلَى يَدِهِ ثُمَّ مَاتَ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا، وَعَلَى عَاقِلَتِهَا الدِّيَةُ إنْ كَانَ خَطَأً، وَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَفِي مَالِهَا) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، لِأَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْيَدِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَفْوًا عَمَّا يَحْدُثُ مِنْهُ عِنْدَهُ فَالتَّزَوُّجُ عَلَى الْيَدِ لَا يَكُونُ تَزَوُّجًا عَلَى مَا يَحْدُثُ مِنْهُ. ثُمَّ الْقَطْعُ إذَا كَانَ عَمْدًا يَكُونُ هَذَا تَزَوُّجًا عَلَى الْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَا يَصْلُحُ مَهْرًا،
إنَّ الْقِصَاصَ مَوْرُوثٌ بِالِاتِّفَاقِ كَذِبٌ صَرِيحٌ.
وَقَدْ مَرَّ نَظِيرُ هَذَا مِنْ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ فِي الْفَصْلِ السَّابِقِ وَبَيَّنْتُ بُطْلَانَهُ هُنَاكَ أَيْضًا فَتَذَكَّرْ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ التَّعَرُّضُ فِيهِ لِكَوْنِ الْقِصَاصِ غَيْرُ مَوْرُوثٍ مِنْ الْمَقْتُولِ عِنْدَ إمَامِنَا الْأَعْظَمِ ﵀، بَلْ سِيقَ الْكَلَامُ فِيهِ عَلَى وَجْهٍ يُشْعِرُ بِكَوْنِهِ مَوْرُوثًا بِالِاتِّفَاقِ؛ أَلَا يَرَى إلَى قَوْلِهِ فِي خَاتِمَتِهِ وَالْقِصَاصُ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ لَكِنَّهُ مَوْرُوثٌ (قَوْلُهُ أَمَّا الْخَطَأُ فَمُوجِبُهُ الْمَالُ وَحَقُّ الْوَرَثَةِ يَتَعَلَّقُ بِهِ فَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ) قَالَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ: فَإِنْ قِيلَ: الْقَاتِلُ وَاحِدٌ مِنْ الْعَاقِلَةِ فَكَيْفَ جَوَّزَ الْوَصِيَّةَ بِجَمِيعِ الثُّلُثِ هَاهُنَا حَتَّى صَحَّ فِي نَصِيبِ الْقَاتِلِ أَيْضًا مَعَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تَصِحُّ لِلْقَاتِلِ؟ قُلْنَا: إنَّمَا جَوَّزَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَجْرُوحَ لَمْ يَقُلْ أَوْصَيْت لَك بِثُلُثِ الدِّيَةِ، وَإِنَّمَا عَفَا عَنْهُ الْمَالَ بَعْدَ سَبَبِ الْوُجُوبِ فَكَانَ تَبَرُّعًا مُبْتَدَأً وَذَلِكَ جَائِزٌ لِلْقَاتِلِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَهَبَ لَهُ شَيْئًا وَسَلَّمَ جَازَ انْتَهَى كَلَامُهُمْ.
وَأَوْرَدَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى قَوْلِهِمْ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ وَهَبَ لَهُ شَيْئًا وَسَلَّمَ جَازَ بِأَنْ قَالَ: فِيهِ بَحْثٌ، لِأَنَّ الْهِبَةَ فِي الْمَرَضِ فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ عَلَى مَا سَيَجِيءُ فِي كِتَابِ الْوَصِيَّةِ انْتَهَى.
أَقُولُ: إنْ أَرَادَ أَنَّ الْهِبَةَ فِي الْمَرَضِ فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ الْهِبَةَ عَقْدٌ مُنَجَّزٌ وَالْوَصِيَّةُ فِي الْمَرَضِ عَقْدٌ مُعَلَّقٌ بِالْمَوْتِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهَا فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ كَكَوْنِهَا مُعْتَبِرَةٌ مِنْ الثُّلُثِ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَهُوَ مُسَلَّمٌ، لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ لَا تَصِحَّ هِبَةُ الْمَجْرُوحِ لِلْقَاتِلِ كَعَدَمِ صِحَّةِ وَصِيَّتِهِ لَهُ فَلَا يُجْدِي قَدْحًا فِيمَا ذَكَرَهُ الشُّرَّاحُ فِي تَنْوِيرِ جَوَابِهِمْ
(قَوْلُهُ ثُمَّ الْقَطْعُ إنْ كَانَ عَمْدًا يَكُونُ هَذَا تَزَوُّجًا عَلَى الْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَا يَصْلُحُ مَهْرًا) قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّرَّاحِ: فَإِنْ قِيلَ؛ الْقِصَاصُ لَا يَجْرِي بَيْنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute