للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُلُثُ مَا تَرَكَ وَصِيَّةً) لِأَنَّ هَذَا تَزَوُّجٌ عَلَى الدِّيَةِ وَهِيَ تَصْلُحُ مَهْرًا إلَّا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِقَدْرِ مَهْرِ الْمِثْلِ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ لِأَنَّهُ مَرِيضٌ مَرَضَ الْمَوْتِ وَالتَّزَوُّجُ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ وَلَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الزِّيَادَةِ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ لِأَنَّهُ مُحَابَاةٌ فَيَكُونُ وَصِيَّةً فَيُرْفَعُ عَنْ الْعَاقِلَةِ لِأَنَّهُمْ يَتَحَمَّلُونَ عَنْهَا، فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ تَرْجِعَ عَلَيْهِمْ بِمُوجِبِ جِنَايَتِهَا، وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ وَصِيَّةٌ لَهُمْ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْوَصِيَّةِ لِمَا أَنَّهُمْ لَيْسُوا بِقَتَلَةٍ، فَإِنْ كَانَتْ تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ تَسْقُطُ، وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ يَسْقُطُ ثُلُثُهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: كَذَلِكَ الْجَوَابُ فِيمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى الْيَدِ، لِأَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْيَدِ عَفْوٌ عَمَّا يَحْدُثُ مِنْهُ عِنْدَهُمَا فَاتَّفَقَ جَوَابُهُمَا فِي الْفَصْلَيْنِ. .

ثُلُثُ مَا تَرَكَ وَصِيَّةً) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَحِلِّ: قَوْلُهُ وَيُرْفَعُ عَنْ الْعَاقِلَةِ مَهْرُ مِثْلِهَا: أَيْ قَدْرُ مَهْرِ مِثْلِهَا، وَقَوْلُهُ وَلَهُمْ ثُلُثُ مَا تَرَكَ وَصِيَّةً: أَيْ وَلِلْعَاقِلَةِ ثُلُثُ مَا زَادَ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ إلَى تَمَامِ الدِّيَةِ يَكُونُ وَصِيَّةً انْتَهَى.

أَقُولُ: فِي التَّفْسِيرِ الثَّانِي خَلَلٌ، فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ فَصَّلَ فِيمَا بَعْدَ حَالِ الزِّيَادَةِ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ وَجَعَلَهَا صُورَتَيْنِ حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ كَانَتْ تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ تَسْقُطُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَخْرُجُ يَسْقُطُ ثُلُثُهُ، وَعَلَى ذَلِكَ التَّفْسِيرِ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَتَنَاوَلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا الصُّورَةَ الْأُولَى مِنْ الصُّورَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرَهُمَا فِيمَا بَعْدُ، فَإِنَّ مَا يَكُونُ وَصِيَّةً لَهُمْ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى مِنْهُمَا جَمِيعُ مَا زَادَ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ لَا إلَى تَمَامِ الدِّيَةِ ثُلُثُهُ فَقَطْ كَمَا لَا يَخْفَى.

وَقَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ: قَوْلُهُ يُرْفَعُ عَنْ الْعَاقِلَةِ مَهْرُ مِثْلِهَا: أَيْ قَدْرُ مَهْرِ مِثْلِهَا، وَقَوْلُهُ وَلَهُمْ ثُلُثُ مَا تَرَكَ وَصِيَّةً لَهُمْ: أَيْ لِلْعَاقِلَةِ ثُلُثُ مَا تَرَكَ الْمَيِّتُ مِنْ الدِّيَةِ وَصِيَّةً انْتَهَى.

أَقُولُ: مَآلُ هَذَا أَيْضًا مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ وَإِنْ كَانَتْ الْعِبَارَةُ مُغَايِرَةً فِي التَّفْسِيرِ الثَّانِي، فَإِنَّهُ لَمَّا بَيَّنَ مَا تَرَكَ الْمَيِّتُ فِي قَوْلِهِ ثُلُثُ مَا تَرَكَ الْمَيِّتُ بِقَوْلِهِ مِنْ الدِّيَةِ تَعَيَّنَ أَنَّ مُرَادَهُ ثُلُثُ الدِّيَةِ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ مِثْلُ مَا يُرَدُّ عَلَى مَا ذَكَرَاهُ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ كُلَّ الدِّيَةِ مِنْ ثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَتَنَاوَلَهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا عَلَى التَّفْسِيرِ الْمَزْبُورِ.

ثُمَّ أَقُولُ: فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا احْتِمَالٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: وَلِلْعَاقِلَةِ ثُلُثُ مَا تَرَكَ الْمَيِّتُ مِنْ جَمِيعِ مَا لَهُ وَصِيَّةٌ لَهُمْ فَيَتَنَاوَلُ الصُّورَتَيْنِ الْآتِيَتَيْنِ فِي التَّفْصِيلِ مَعًا، لِأَنَّ جَمِيعَ مَالِ الْمَيِّتِ يَشْمَلُ الدِّيَةَ وَغَيْرَهَا فَيَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ الدِّيَةَ كُلَّهَا مِنْ ثُلُثِ جَمِيعِ مَا لَهُ، لَكِنْ يُتَّجَهُ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ثُلُثُ جَمِيعِ مَا لَهُ أَكْثَرَ مِمَّا زَادَ عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا مِنْ الدِّيَةِ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرُ مِنْ كُلِّ الدِّيَةِ، فَلَا يَصِحُّ حِينَئِذٍ قَوْلُهُ وَصِيَّةً لِأَنَّ مَا يَكُونُ وَصِيَّةً لِلْعَاقِلَةِ إنَّمَا هُوَ مِقْدَارُ مَا زَادَ عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا مِنْ الدِّيَةِ لَا غَيْرُ.

وَبِالْجُمْلَةِ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا لَيْسَتْ بِخَالِيَةٍ عَنْ الْقُصُورِ فِي إفَادَةِ تَمَامِ الْمُرَادِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذَوِي الرَّشَادِ، فَالْأَوْلَى فِي تَحْرِيرِ الْمَقَامِ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْوِقَايَةِ حَيْثُ قَالَ: وَفِي الْخَطَإِ رُفِعَ عَنْ الْعَاقِلَةِ مَهْرُ مِثْلِهَا وَالْبَاقِي وَصِيَّةً لَهُمْ، فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ سَقَطَ وَإِلَّا سَقَطَ ثُلُثُ الْمَالِ انْتَهَى تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: كَذَلِكَ الْجَوَابُ فِيمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى الْيَدِ، لِأَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْيَدِ عَفْوٌ عَمَّا يَحْدُثُ مِنْهُ عِنْدَهُمَا فَاتَّفَقَ جَوَابُهُمَا فِي الْفَصْلَيْنِ) أَيْ فِي التَّزَوُّجِ عَلَى الْيَدِ، وَفِي التَّزَوُّجِ عَلَى الْيَدِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا أَوْ عَلَى الْجِنَايَةِ، كَذَا قَالَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ وَهُوَ الصَّوَابُ.

وَزَادَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا فِي شَرْحِهِ حَيْثُ قَالَ: يَعْنِي فِي التَّزَوُّجِ عَلَى الْيَدِ إذَا كَانَ الْقَطْعُ خَطَأً، وَفِي التَّزَوُّجِ عَلَى الْيَدِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا أَوْ عَلَى الْجِنَايَةِ انْتَهَى.

وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ. أَقُولُ: لَيْسَ ذَاكَ بِشَيْءٍ، إذْ لَا وَجْهَ لِتَقْيِيدِ الْقَطْعِ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ بِالْخَطَأِ فَإِنَّ الظَّاهِرَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا وَمِنْ قَوْلِهِ فِيمَا سَبَقَ وَلَوْ كَانَ الْقَطْعُ خَطَأً فَقَدْ أَجْرَاهُ مَجْرَى الْعَمْدِ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ وِفَاقًا وَخِلَافًا، وَكَذَا مِمَّا ذُكِرَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ مِنْ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ عِنْدَهُمَا فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ فِي الْفَصْلَيْنِ سَوَاءٌ، وَلَقَدْ صَرَّحَ بِهِ هَاهُنَا صَاحِبُ الْغَايَةِ نَقْلًا عَنْ شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ حَيْثُ قَالَ: فَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَالْجَوَابُ فِيهِ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ كَالْجَوَابِ فِيمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى الْقَطْعِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ، أَوْ عَلَى الْجِنَايَةِ لِمَا ذُكِرَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، كَذَا فِي شُرُوحِ

<<  <  ج: ص:  >  >>