وَإِذَا سَرَى تَبَيَّنَ أَنَّهُ قَتْلُ النَّفْسِ وَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْعَفْوُ فَتَجِبُ الدِّيَةُ وَتَجِبُ فِي مَالِهَا لِأَنَّهُ عَمْدٌ. وَالْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ. وَإِذَا وَجَبَ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ وَعَلَيْهَا الدِّيَةُ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ إنْ كَانَا عَلَى السَّوَاءِ، وَإِنْ كَانَ فِي الدِّيَةِ فَضْلٌ تَرُدُّهُ عَلَى الْوَرَثَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْمَهْرِ فَضْلٌ يَرُدُّهُ الْوَرَثَةُ عَلَيْهَا، وَإِذَا كَانَ الْقَطْعُ خَطَأً يَكُونُ هَذَا تَزَوُّجًا عَلَى أَرْشِ الْيَدِ، وَإِذَا سَرَى إلَى النَّفْسِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا أَرْشَ لِلْيَدِ وَأَنَّ الْمُسَمَّى مَعْدُومٌ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ، كَمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى مَا فِي الْيَدِ وَلَا شَيْءَ فِيهَا. وَلَا يَتَقَاصَّانِ لِأَنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي الْخَطَأِ وَالْمَهْرُ لَهَا. .
قَالَ: (وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى الْيَدِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا أَوْ عَلَى الْجِنَايَةِ ثُمَّ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ وَالْقَطْعُ عَمْدٌ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا) لِأَنَّ هَذَا تَزَوُّجٌ عَلَى الْقِصَاصِ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ مَهْرًا فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَصَارَ كَمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهَا، لِأَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ الْقِصَاصَ مَهْرًا فَقَدْ رَضِيَ بِسُقُوطِهِ بِجِهَةِ الْمَهْرِ فَيَسْقُطُ أَصْلًا كَمَا إذَا أَسْقَطَ الْقِصَاصَ بِشَرْطِ أَنْ يَصِيرَ مَالًا فَإِنَّهُ يَسْقُطُ أَصْلًا (وَإِنْ كَانَ خَطَأً يُرْفَعُ عَنْ الْعَاقِلَةِ مَهْرُ مِثْلِهَا، وَلَهُمْ
يَحْتَجْ إلَى جَوَابَيْهِمَا الْمَذْكُورَيْنِ فِي الشُّرُوحِ الْمُخْتَلَّيْنِ كَمَا بَيَّنَّاهُ آنِفًا (قَوْلُهُ وَإِذَا سَرَى تَبَيَّنَ أَنَّهُ قَتْلُ النَّفْسِ وَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْعَفْوُ فَيَجِبُ الدِّيَةُ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: فَإِنْ قُلْت: لِمَ لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ هَاهُنَا عَلَى الْمَرْأَةِ مَعَ أَنَّ الْقَطْعَ كَانَ عَمْدًا وَهُوَ قَتْلٌ مِنْ الِابْتِدَاءِ، فَإِنَّهُ لَمَّا مَاتَ ظَهَرَ أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْقِصَاصُ وَهُوَ لَمْ يَجْعَلْ الْقِصَاصَ مَهْرًا لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَصْلُحُ مَهْرًا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ وَالْمَهْرُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَالًا، وَلَمَّا لَمْ يَصْلُحْ الْقِصَاصُ مَهْرًا صَارَ كَأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا وَلَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا وَفِيهِ الْقِصَاصُ فَكَذَا هُنَا.
قُلْت: نَعَمْ كَذَلِكَ، إلَّا أَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ الْقِصَاصَ مَهْرًا جَعَلَ وِلَايَةَ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ لِلْمَرْأَةِ، وَلَوْ اسْتَوْفَتْ الْمَرْأَةُ الْقِصَاصَ إنَّمَا تَسْتَوْفِي عَنْ نَفْسِهَا لِنَفْسِهَا، وَذَلِكَ مُحَالٌ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ عَنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ، لِأَنَّ الشَّخْصَ الْوَاحِدَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُطَالِبًا لِلْقِصَاصِ وَمُطَالَبًا بِهِ فَسَقَطَ الْقِصَاصُ لِاسْتِحَالَةِ الِاسْتِيفَاءِ، وَلَمَّا سَقَطَ الْقِصَاصُ بَقِيَ النِّكَاحُ بِلَا تَسْمِيَةٍ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ كَمَا إذَا لَمْ يُسَمِّ ابْتِدَاءً انْتَهَى. أَقُولُ: لَا السُّؤَالُ شَيْءٌ وَلَا الْجَوَابُ.
أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ وَجْهَ عَدَمِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ هَاهُنَا عَلَى الْمَرْأَةِ ظَاهِرٌ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، فَإِنَّهُ إشَارَةٌ إلَى مَا ذَكَرَهُ فِيمَا قَبْلُ مِنْ أَنَّ وُجُوبَ الدِّيَةِ هَاهُنَا دُونَ الْقِصَاصِ عَلَى مُوجِبِ الِاسْتِحْسَانِ، فَإِنَّ صُورَةَ الْعَفْوِ أَوْرَثَتْ شُبْهَةً وَهِيَ دَارِئَةٌ لِلْقَوَدِ فَلَمْ يَبْقَ مَحَلٌّ لِلسُّؤَالِ عَنْ لَمِّيِّةِ عَدَمِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ هَاهُنَا عَلَى الْمَرْأَةِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْقِصَاصَ الَّذِي جُعِلَ مَهْرًا وَجُعِلَ وِلَايَةَ اسْتِيفَائِهِ لِلْمَرْأَةِ إنَّمَا هُوَ قِصَاصُ الْيَدِ دُونَ قِصَاصِ النَّفْسِ كَمَا أَفْصَحَ عَنْهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِيمَا قَبْلُ يَكُونُ هَذَا تَزَوُّجًا عَلَى الْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ، وَإِذَا سَرَى تَبَيَّنَ أَنَّهُ قَتْلُ النَّفْسِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ وِلَايَةُ الْمَرْأَةِ لِلْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي عَدَمِ تَنَاوُلِهِ الْعَفْوَ الَّذِي تَضَمَّنَهُ التَّزَوُّجُ، فَبَقِيَ السُّؤَالُ عَنْ وَجْهِ عَدَمِ وُجُوبِ قِصَاصِ النَّفْسِ عَلَى الْمَرْأَةِ بَعْدَ أَنْ تَبَيَّنَ أَنَّ قَطْعَهَا صَارَ قَتْلَ النَّفْسِ وَلَغَا مَا ذُكِرَ فِي الْجَوَابِ الْمَزْبُورِ، إذْ لَمْ يَجْعَلْ حَدَّ وِلَايَةِ اسْتِيفَاءِ قِصَاصِ النَّفْسِ لِلْمَرْأَةِ قَطُّ حَتَّى يَلْزَمَ مِنْ وُجُوبِ قِصَاصِ النَّفْسِ عَلَيْهَا اسْتِيفَاؤُهَا الْقِصَاصَ عَنْ نَفْسِهَا لِنَفْسِهَا
(قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ خَطَأً يُرْفَعُ عَنْ الْعَاقِلَةِ مَهْرُ مِثْلِهَا وَلَهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute