للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّ عُمَرَ هَكَذَا جَعَلَ عَلَى أَهْلِ كُلِّ مَالٍ مِنْهَا. وَلَهُ أَنَّ التَّقْدِيرَ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ بِشَيْءٍ مَعْلُومِ الْمَالِيَّةِ، وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ مَجْهُولَةُ الْمَالِيَّةِ وَلِهَذَا لَا يُقَدَّرُ بِهَا ضَمَانٌ، وَالتَّقْدِيرُ بِالْإِبِلِ عُرِفَ بِالْآثَارِ الْمَشْهُورَةِ وَعَدِمْنَاهَا فِي غَيْرِهَا. وَذُكِرَ فِي الْمُعَاقِلِ أَنَّهُ لَوْ صَالَحَ عَلَى الزِّيَادَةِ عَلَى مِائَتَيْ حُلَّةٍ أَوْ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ لَا يَجُوزُ، وَهَذَا آيَةُ التَّقْدِيرِ بِذَلِكَ. ثُمَّ قِيلَ: هُوَ قَوْلُ الْكُلِّ فَيَرْتَفِعُ الْخِلَافُ، وَقِيلَ هُوَ قَوْلُهُمَا.

عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ: يَجُوزُ كَمَا لَوْ صَالَحَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ مِائَتَيْ فَرَسٍ، وَعَلَى قَوْلِهِمَا لَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ صَالَحَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ مِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ انْتَهَى.

أَقُولُ: لَيْتَ شِعْرِي مَا بَالُهُمْ صَوَّرُوا ظُهُورَ فَائِدَةِ هَذَا الِاخْتِلَافِ فِي هَذَا الْمَضِيقِ وَحَصَرُوا فِيهِ بِكَلِمَةٍ إنَّمَا مَعَ كَوْنِ ظُهُورِ فَائِدَتِهِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ أَظْهَرُ وَأَجْلَى، فَإِنَّ لِلْقَاتِلِ الْخِيَارُ فِي أَدَاءِ الدِّيَةِ مِنْ أَيِّ نَوْعٍ شَاءَ مِنْ أَنْوَاعِ الدِّيَةِ لَا مِنْ غَيْرِ أَنْوَاعِهَا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، فَعَلَى قَوْلِهِمَا يَتَمَكَّنُ الْقَاتِلُ مِنْ أَدَائِهَا مِنْ نَوْعِ الْبَقَرِ أَوْ نَوْعِ الْغَنَمِ أَوْ نَوْعِ الْحُلَلِ كَمَا يُتَمَكَّنُ مِنْ أَدَائِهَا مِنْ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْعَيْنُ وَالْوَرِقُ، وَعَلَى قَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الدِّيَاتِ لَا يُتَمَكَّنُ مِنْ أَدَائِهَا إلَّا مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ (قَوْلُهُ وَذُكِرَ فِي الْمَعَاقِلِ أَنَّهُ لَوْ صَالَحَ عَلَى الزِّيَادَةِ عَلَى مِائَتَيْ حُلَّةٍ أَوْ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ لَا يَجُوزُ، وَهَذَا آيَةُ التَّقْدِيرِ بِذَلِكَ، ثُمَّ قِيلَ هُوَ قَوْلُ الْكُلِّ فَيَرْتَفِعُ الْخِلَافُ وَقِيلَ: هُوَ قَوْلُهُمَا) قَالَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ: أَوْرَدَ قَوْلَهُ وَذُكِرَ فِي الْمَعَاقِلِ: أَيْ فِي مَعَاقِلِ الْمَبْسُوطِ شُبْهَةٌ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ أَنَّهُ لَا تَثْبُتُ الدِّيَةُ إلَّا مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ. وَوَجْهُ وُرُودِهَا أَنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ فِي الْمَعَاقِلِ أَنَّهُ لَوْ صَالَحَ الْوَلِيُّ مِنْ الدِّيَةِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَلْفَيْ شَاةٍ أَوْ مِنْ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ أَوْ مِنْ مِائَتَيْ حُلَّةٍ لَا يَجُوزُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ فِيهِ، وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَصْنَافَ الثَّلَاثَةَ أَيْضًا مِنْ الْأُصُولِ الْمُقَدَّرَةِ فِي الدِّيَةِ عِنْدَهُ أَيْضًا، وَذَكَرَ الْجَوَابُ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا يُصَحِّحُ الشُّبْهَةَ وَيَرْفَعُ الْخِلَافَ.

وَثَانِيهمَا يَرْفَعُ الشُّبْهَةَ بِحَمْلِ رِوَايَةِ الْمَعَاقِلِ عَلَى أَنَّهَا قَوْلُهُمَا، ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ رَدَّ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ مِنْهُمَا حَيْثُ قَالَ: وَلَا أَرَى صِحَّتَهُ لِأَنَّهُ يُنَاقِضُ رِوَايَةَ كِتَابِ الدِّيَاتِ كَمَا مَرَّ آنِفًا انْتَهَى. أَقُولُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>