قَالَ: (وَدِيَةُ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ) وَقَدْ وَرَدَ هَذَا اللَّفْظُ مَوْقُوفًا عَلَى عَلِيٍّ ﵁ وَمَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ ﵊. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَا دُونَ الثُّلُثِ لَا يُتَنَصَّفُ، وَإِمَامُهُ فِيهِ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ﵁، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَاهُ بِعُمُومِهِ، وَلِأَنَّ حَالَهَا أَنْقَصُ مِنْ حَالِ الرَّجُلِ وَمَنْفَعَتُهَا أَقَلُّ، وَقَدْ ظَهَرَ أَثَرُ النُّقْصَانِ بِالتَّنْصِيفِ فِي النَّفْسِ فَكَذَا فِي أَطْرَافِهَا وَأَجْزَائِهَا اعْتِبَارًا بِهَا وَبِالثُّلُثِ وَمَا فَوْقَهُ.
لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ لِأَنَّ مَدَارَ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ عَلَى عَدَمِ قَبُولِ صِحَّةِ رِوَايَةِ كِتَابِ الدِّيَاتِ وَعَدَمِ تَسْلِيمِ ثُبُوتِ الِاخْتِلَافِ بَيْنَهُمْ، وَكَوْنُهُ مُنَاقِضًا لِرِوَايَةِ كِتَابِ الدِّيَاتِ إنَّمَا يُنَافِي صِحَّتَهُ لَوْ تَحَقَّقَتْ صِحَّةُ تِلْكَ الرِّوَايَةِ وَهِيَ فِي حَيِّزِ الْمَنْعِ عِنْدَ قَائِلِ ذَلِكَ الْوَجْهِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَطْعًا عِبَارَةُ صَاحِبِ النِّهَايَةِ حَيْثُ قَالَ: فَقَالَ فِي جَوَابِهِ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ صَحَّحَ الشُّبْهَةَ فَقَالَ: نَعَمْ تِلْكَ الرِّوَايَةُ أَعْنِي رِوَايَةَ الْخِلَافِ غَيْرُ صَحِيحٍ، بَلْ الصَّحِيحُ رِوَايَةُ كِتَابِ الْمَعَاقِلِ.
وَالْخِلَافُ بَيْنَهُمْ غَيْرُ ثَابِتٍ، بَلْ هَذِهِ الْأَنْوَاعُ: أَعْنِي الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ وَالْحُلَلَ فِي الدِّيَةِ مِنْ الْأَمْوَالِ الْمُقَدَّرَةِ انْتَهَى. وَتَصْحِيحُ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَمَنْعُ الْأُخْرَى لَيْسَ بِعَزِيزٍ فِي كَلِمَاتِ الْفُقَهَاءِ وَقَدْ مَرَّ لَهُ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ فِي الْكِتَابِ.
وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ لِدَفْعِ رَدِّ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ: الْوَجْهُ الْأَوَّلُ يَرْتَفِعُ التَّنَاقُضُ بِالْحَمْلِ عَلَى الرُّجُوعِ إلَى قَوْلِهِمَا انْتَهَى. أَقُولُ: هَذَا لَا يَصْلُحُ لِدَفْعِ رَدِّهِ الْوَجْهَ الْمَزْبُورَ، وَإِنَّمَا يَصْلُحُ لَأَنْ يَكُونَ جَوَابًا آخَرَ عَنْ أَصْلِ الشُّبْهَةِ لِأَنَّ مَآلَهُ إلَى أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ عَنْهُ رِوَايَتَانِ وَيَكُونُ الْمَرْوِيُّ فِي إحْدَاهُمَا قَوْلَهُ الْأَوَّلُ وَفِي الْأُخْرَى قَوْلَهُ الْآخَرُ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ أَيْضًا صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ بَيَانِ ذَيْنِكَ الْوَجْهَيْنِ وَرَدَّ أَحَدَهُمَا حَيْثُ قَالَ: وَحَمَلَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا عَلَى أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ عَنْهُ رِوَايَتَيْنِ انْتَهَى. وَمَدَارُ رَدِّهِ أَحَدُ ذَيْنِك الْوَجْهَيْنِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ تَقْرِيرَ الشُّبْهَةِ وَرَفْعَ الْخِلَافِ كَمَا ذَكَرَهُ الشُّرَّاحُ.
وَذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِأَنْ يَنْحَصِرَ الْقَوْلُ مِنْهُ فِي هَاتِيكَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا ذُكِرَ فِي الْمَعَاقِلِ، وَإِلَّا لَا تَتَقَرَّرُ الشُّبْهَةُ بَلْ تَرْتَفِعُ بِالْحَمْلِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ مِنْهُ تَفَكَّرْ تَفْهَمْ
(قَوْلُهُ وَلِأَنَّ حَالَهَا أَنْقَصُ مِنْ حَالِ الرَّجُلِ وَمَنْفَعَتَهَا أَقَلُّ) وَقَدْ ظَهَرَ أَثَرُ النُّقْصَانِ بِالتَّنْصِيفِ فِي النَّفْسِ فَكَذَا فِي أَطْرَافِهَا وَأَجْزَائِهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute