لِلْعَشِيرَةِ فَعَلَّقَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فِيهِ قِنْدِيلًا أَوْ جَعَلَ فِيهِ بَوَارِي أَوْ حَصَاةً فَعَطِبَ بِهِ رَجُلٌ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ الْعَشِيرَةِ ضَمِنَ) قَالُوا: هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: لَا يَضْمَنُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، لِأَنَّ هَذِهِ مِنْ الْقُرَبِ وَكُلُّ أَحَدٍ مَأْذُونٌ فِي إقَامَتِهَا فَلَا يَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ، كَمَا إذَا فَعَلَهُ بِإِذْنِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْفَرْقُ أَنَّ التَّدْبِيرَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَسْجِدِ لِأَهْلِهِ دُونَ غَيْرِهِمْ كَنَصْبِ الْإِمَامِ وَاخْتِيَارِ الْمُتَوَلِّي وَفَتْحِ بَابِهِ وَإِغْلَاقِهِ وَتَكْرَارِ الْجَمَاعَةِ إذَا سَبَقَهُمْ بِهَا غَيْرُ أَهْلِهِ فَكَانَ فِعْلُهُمْ مُبَاحًا مُطْلَقًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ وَفِعْلُ غَيْرِهِمْ تَعَدِّيًا أَوْ مُبَاحًا مُقَيَّدًا بِشَرْطِ السَّلَامَةِ، وَقَصْدُ الْقُرْبَةِ لَا يُنَافِي الْغَرَامَةَ إذَا أَخْطَأَ الطَّرِيقَ كَمَا إذَا تَفَرَّدَ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا وَالطَّرِيقُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ الِاسْتِئْذَانُ مِنْ أَهْلِهِ. قَالَ: (وَإِنْ جَلَسَ فِيهِ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَعَطِبَ بِهِ رَجُلٌ لَمْ يَضْمَنْ إنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ ضَمِنَ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: لَا يَضْمَنُ عَلَى كُلِّ حَالٍ.
الْفَرْقُ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ نَفْسِهِمَا مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْغَيْرِ، وَلَوْ سُلِّمَ فَالْمُرَادُ بِالرِّدَاءِ مُطْلَقُ اللِّبَاسِ مَجَازًا لَا خُصُوصُهُ؛ أَلَا يَرَى إلَى دَلِيلِهِ إلَى هُنَا لَفْظُهُ. أَقُولُ: كُلٌّ مِنْ مُقَدِّمَاتِ كَلَامِهِ كَاسِدٌ. أَمَّا قَوْلُهُ يَعْنِي أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يَشْمَلُ الْوَجْهَيْنِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ فَسَقَطَ عَلَى إنْسَانٍ فَمُرَادُهُ الْفَرْقُ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ نَفْسِهِمَا مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْغَيْرِ، فَلِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ نَفْسِهِمَا بِدُونِ أَنْ يَكُونَ لَهُ تَأْثِيرٌ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْمَسْأَلَةِ يَكُونُ خَارِجًا مِنْ الْفِقْهِ بَلْ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ اللَّغْوِ مِنْ الْكَلَامِ هَاهُنَا، وَمِثْلُهُ لَا يَلِيقُ بِمَنْ لَهُ أَدْنَى تَمْيِيزٍ فَضْلًا عَنْ الْمُصَنِّفِ الَّذِي هُوَ عَلَمٌ فِي التَّحْقِيقِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ وَلَوْ سُلِّمَ فَالْمُرَادُ بِالرِّدَاءِ مُطْلَقُ اللِّبَاسِ مَجَازًا لَا خُصُوصُهُ، فَلِأَنَّ الْمَجَازَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ قَرِينَةٍ وَلَا قَرِينَةَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ أَلَا يَرَى إلَى دَلِيلِهِ فَلِأَنَّ عُمُومَ الدَّلِيلِ لَا يَقْتَضِي عُمُومَ الْمَسْأَلَةِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ كُلِّيَّةَ الْكُبْرَى شَرْطٌ فِي إنْتَاجِ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ مَعَ كَوْنِ النَّتِيجَةِ خَاصَّةً
(قَوْلُهُ وَقَالَا: لَا يَضْمَنُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا) أَيْ فِيمَا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ الْعَشِيرَةِ، وَفِيمَا إذَا فَعَلَهُ أَحَدٌ مِنْ غَيْرِ الْعَشِيرَةِ. قَالَ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: قَوْلُهُ وَقَالَا: لَا يَضْمَنُ فِي الْوَجْهَيْنِ وَهُمَا إذْنُ الْإِمَامِ أَوْ الْعَشِيرَةِ أَوْ عَدَمُ إذْنِهِمَا، وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ.
أَقُولُ: تَفْسِيرُ الْوَجْهَيْنِ هُنَا بِمَا ذَكَرَهُ ذَلِكَ الشَّارِحَانِ لَا يُطَابِقُ الْمَشْرُوحَ كَمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute