بِهِ إنْسَانٌ لَمْ يَضْمَنْ) وَهَذَا اللَّفْظُ يَشْمَلُ الْوَجْهَيْنِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ حَامِلَ الشَّيْءِ قَاصِدٌ حِفْظَهُ فَلَا حَرَجَ فِي التَّقْيِيدِ بِوَصْفِ السَّلَامَةِ، وَاللَّابِسُ لَا يَقْصِدُ حِفْظَ مَا يَلْبَسُهُ فَيَخْرُجُ بِالتَّقْيِيدِ بِمَا ذَكَرْنَا فَجَعَلْنَاهُ مُبَاحًا مُطْلَقًا. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إذَا لَبِسَ مَا لَا يَلْبَسُهُ عَادَةً فَهُوَ كَالْحَامِلِ لِأَنَّ الْحَاجَةَ لَا تَدْعُو إلَى لُبْسِهِ. .
قَالَ: (وَإِذَا كَانَ الْمَسْجِدُ
قَوْلُهُ وَهَذَا اللَّفْظُ يَشْمَلُ الْوَجْهَيْنِ) قَالَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ: أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَهَذَا اللَّفْظُ إلَى قَوْلِهِ فَعَطِبَ بِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ وَأَرَادَ بِالْوَجْهَيْنِ فِي قَوْلِهِ يَشْمَلُ الْوَجْهَيْنِ تَلَفَ الْإِنْسَانِ بِوُقُوعِ الشَّيْءِ الْمَحْمُولِ عَلَيْهِ وَتَلَفَهُ بِالتَّعَثُّرِ بِهِ بَعْدَمَا وَقَعَ فِي الطَّرِيقِ.
أَقُولُ: مَا ذَهَبُوا إلَيْهِ مِنْ كَوْنِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَهَذَا اللَّفْظُ إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ فَعَطِبَ بِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ قَوْلُهُ فَعَطِبَ بِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ يَشْمَلُ الْوَجْهَيْنِ وَهُمَا تَلَفُ الْإِنْسَانِ بِسُقُوطِ الْمَحْمُولِ عَلَيْهِ وَتَلَفُهُ بِتَعَثُّرِهِ بِهِ بَعْدَ سُقُوطِ ذَلِكَ لَكَانَ قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا سَقَطَ فَتَعَثَّرَ بِهِ إنْسَانٌ بَعْدَ قَوْلِهِ فَعَطِبَ بِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ مُسْتَدْرَكًا مَحْضًا. وَثَانِيهِمَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ ذَلِكَ لَذَكَرَ قَوْلَهُ وَهَذَا اللَّفْظُ يَشْمَلُ الْوَجْهَيْنِ قَبْلَ ذِكْرِ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ رِدَاءٌ قَدْ لَبِسَهُ فَسَقَطَ فَعَطِبَ بِهِ إنْسَانٌ لَمْ يَضْمَنْ، إذْ لَا وَجْهَ لِتَأْخِيرِ بَيَانِ مَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى عَنْ ذِكْرِ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ بِلَا أَمْرٍ دَاعٍ إلَيْهِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ أَنْ شَرَحَ الْمَقَامَ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ فَعَطِبَ بِهِ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَسَقَطَ عَلَى إنْسَانٍ وَذَلِكَ لَا يَشْمَلُ التَّعَثُّرَ بِهِ. ثُمَّ قَالَ: وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ نَظَرَ إلَى الْمَعْطُوفِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ انْتَهَى. أَقُولُ: إنَّ قَوْلَهُ وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ نَظَرَ إلَى الْمَعْطُوفِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ مِمَّا لَا مَعْنَى لَهُ، لِأَنَّ قَوْلَهُ فَهُوَ ضَامِنٌ جَوَابُ مَجْمُوعِ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ صِحَّةُ الْمَعْنَى مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ.
وَأَنَا أَتَعَجَّبُ مِنْ هَؤُلَاءِ الشُّرَّاحِ كَيْفَ حَمَلُوا مُرَادَ الْمُصَنِّفِ ذَلِكَ الْمُتْقِنِ التَّحْرِيرَ عَلَى مَا يَأْبَاهُ مَنْ لَهُ أَدْنَى دُرْبَةً بِأَسَالِيبِ الْكَلَامِ. وَجَعَلَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَهَذَا اللَّفْظُ إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ فَعَطِبَ بِهِ إنْسَانٌ لَمْ يَضْمَنْ، وَهُوَ الْحَقُّ الصَّرِيحُ عِنْدِي أَيْضًا فَإِنَّهُ مَصُونٌ عَنْ الْمَحْذُورَاتِ الْمَذْكُورَةِ كُلِّهَا. وَرَدَّهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ أَنْ نَقَلَهُ حَيْثُ قَالَ: وَفِي بَعْضِ الشُّرُوحِ جَعَلَ قَوْلَهُ وَهَذَا اللَّفْظُ إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ فَعَطِبَ بِهِ إنْسَانٌ لَمْ يَضْمَنْ، وَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الرِّدَاءِ فَاسِدٌ، لِأَنَّ مَوْتَ الْإِنْسَانِ بِسُقُوطِ الرِّدَاءِ عَلَيْهِ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ انْتَهَى. أَقُولُ: رَدُّهُ مَرْدُودٌ، إذْ لَا يَخْفَى أَنَّهُ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَسْقُطَ الرِّدَاءُ عَلَى فَمِ الصَّغِيرِ بَلْ عَلَى فَمِ الْكَبِيرِ أَيْضًا فِي حَالَةِ النَّوْمِ بَلْ فِي حَالَةِ الْيَقِظَةِ أَيْضًا فَيَخْتَنِقَ بِذَلِكَ فَيَمُوتَ. نَعَمْ تَحَقُّقُ مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ نَادِرٌ، لَكِنْ إمْكَانُ وُقُوعِهِ كَافٍ فِي تَعْمِيمِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا لَا يَخْفَى.
ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الْفُضَلَاءِ قَصَدَ الْجَوَابَ عَنْ رَدِّ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ بِوَجْهٍ آخَرَ فَقَالَ: وَلَك أَنْ تَقُولَ: قَوْلُهُ فَسَقَطَ فَعَطِبَ بِهِ إنْسَانٌ: يَعْنِي أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يَشْمَلُ الْوَجْهَيْنِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ فَسَقَطَ عَلَى إنْسَانٍ فَعَطِبَ فَمُرَادُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute