عَلَى الْأُجَرَاءِ قِيَاسًا (لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا بِفَسَادِ الْأَمْرِ فَمَا غَرَّهُمْ) وَفِي الِاسْتِحْسَانِ الضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ (لِأَنَّ كَوْنَهُ فِنَاءً لَهُ بِمَنْزِلَةِ كَوْنِهِ مَمْلُوكًا لَهُ لِانْطِلَاقِ يَدِهِ فِي التَّصَرُّفِ فِيهِ مِنْ إلْقَاءِ الطِّينِ وَالْحَطَبِ وَرَبْطِ الدَّابَّةِ وَالرُّكُوبِ وَبِنَاءِ الدُّكَّانِ فَكَانَ الْأَمْرُ بِالْحَفْرِ فِي مِلْكِهِ ظَاهِرًا بِالنَّظَرِ إلَى مَا ذَكَرْنَا فَكَفَى ذَلِكَ لِنَقْلِ الْفِعْلِ إلَيْهِ. قَالَ): وَمَنْ جَعَلَ قَنْطَرَةً بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ فَتَعَمَّدَ رَجُلٌ الْمُرُورَ عَلَيْهَا فَعَطِبَ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الَّذِي عَمِلَ الْقَنْطَرَةَ، وَكَذَلِكَ (إذَا وَضَعَ خَشَبَةً فِي الطَّرِيقِ فَتَعَمَّدَ رَجُلٌ الْمُرُورَ عَلَيْهَا) لِأَنَّ الْأَوَّلَ تَعَدٍّ هُوَ تَسْبِيبٌ، وَالثَّانِي تَعَدٍّ هُوَ مُبَاشَرَةٌ فَكَانَتْ الْإِضَافَةُ إلَى الْمُبَاشِرِ أَوْلَى، وَلِأَنَّ تَخَلُّلَ فِعْلِ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ يَقْطَعُ النِّسْبَةَ كَمَا فِي الْحَافِرِ مَعَ الْمُلْقِي. .
قَالَ (وَمَنْ حَمَلَ شَيْئًا فِي الطَّرِيقِ فَسَقَطَ عَلَى إنْسَانٍ فَعَطِبَ بِهِ إنْسَانٌ فَهُوَ ضَامِنٌ، وَكَذَا إذَا سَقَطَ فَتَعَثَّرَ بِهِ إنْسَانٌ وَإِنْ كَانَ رِدَاءً قَدْ لَبِسَهُ فَسَقَطَ عَنْهُ فَعَطِبَ
هُوَ الْمُنَاسِبُ (قَوْلُهُ فَكَانَ الْأَمْرُ بِالْحَفْرِ فِي مِلْكِهِ ظَاهِرًا بِالنَّظَرِ إلَى مَا ذَكَرْنَا) يَعْنِي قَوْلَهُ لِأَنَّ كَوْنَهُ فِنَاءً لَهُ بِمَنْزِلَةِ كَوْنِهِ مَمْلُوكًا لَهُ لِانْطِلَاقِ يَدِهِ فِي التَّصَرُّفِ فِيهِ إلَخْ.
قَالَ فِي الْعِنَايَةِ أَخْذًا مِنْ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُهُ لَيْسَ لِي فِيهِ حَقُّ الْحَفْرِ يُخَالِفُ هَذَا الظَّاهِرَ وَهُوَ صَرِيحٌ فَلَا تُعْتَبَرُ الدَّلَالَةُ بِمُقَابَلَتِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ لَيْسَ لِي فِيهِ حَقُّ الْحَفْرِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ لَيْسَ لِي ذَلِكَ فِي الْقَدِيمِ، وَهَكَذَا لَفْظُ الْمَبْسُوطِ، فَيَكُونُ الصَّرِيحُ مُشْتَرَكُ الدَّلَالَةِ فَلَا يُعَارِضُ الدَّلَالَةَ انْتَهَى. أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ بَحْثٌ، لِأَنَّ كَلِمَةَ لَيْسَ لِنَفْيِ مَضْمُونِ الْجُمْلَةِ حَالًا عِنْدَ جُمْهُورِ النُّحَاةِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ، فَحِينَئِذٍ لَا يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ لَيْسَ لِي فِيهِ حَقُّ الْحَفْرِ غَيْرَ نَفْيِ حَقِّ الْحَفْرِ عَنْهُ حَالًا. وَأَمَّا عِنْدَ بَعْضِ النُّحَاةِ فَكَلِمَةُ لَيْسَ وَإِنْ كَانَتْ لِلنَّفْيِ مُطْلَقًا، إلَّا أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ مَضْمُونَ الْجُمْلَةِ إذَا قُيِّدَ بِزَمَانٍ مِنْ الْأَزْمِنَةِ فَهُوَ عَلَى مَا قُيِّدَ بِهِ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يُقَيَّدْ بِزَمَانٍ فَيُحْمَلُ عَلَى الْحَالِ كَمَا يُحْمَلُ الْإِيجَابُ عَلَيْهِ فِي نَحْوِ: زَيْدٌ قَائِمٌ كَذَا حَقَّقَهُ الْأَنْدَلُسِيُّ وَاسْتَحْسَنَهُ الرَّضِيُّ، وَفِيمَا وَقَعَ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ لَمْ يُقَيَّدْ بِزَمَانٍ فَيُحْمَلُ عَلَى الْحَالِ كَمَا يُحْمَلُ الْإِيجَابُ عَلَيْهِ قَطْعًا فَلَمْ يَكُنْ مُشْتَرَكَ الدَّلَالَةِ، كَيْفَ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا صَحَّ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي تَعْلِيلِ كَوْنِ الضَّمَانِ عَلَى الْأُجَرَاءِ قِيَاسًا لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا بِفَسَادِ الْأَمْرِ فَمَا غَرَّهُمْ، إذْ الْعِلْمُ بِفَسَادِ الْأَمْرِ لَا يُتَصَوَّرُ عِنْدَ اشْتِرَاكِ دَلَالَةِ ذَلِكَ.
وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي لَفْظِ الْمَبْسُوطِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ لَيْسَ لِي ذَلِكَ مِنْ الْقَدِيمِ لَكِنَّهُ لِي فِي الْحَالِ وَإِلَّا لَمَا تَمَّ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ. ثُمَّ أَقُولُ: الْحَقُّ عِنْدِي فِي الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ لَيْسَ لِي عَلَى الِاخْتِصَاصِ حَقُّ الْحَفْرِ فِيهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ اللَّامُ فِي لِي لِلِاخْتِصَاصِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِنَاءُ دَارِهِ حَقَّ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مُشْتَرَكًا بِأَنْ كَانَتْ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ كَمَا مَرَّ مِثْلُهُ فَلَا يُخَالِفُ الظَّاهِرَ مِنْ انْطِلَاقِ يَدِهِ فِي التَّصَرُّفِ فِيهِ، إذْ يَجُوزُ لِكُلِّ أَحَدٍ التَّصَرُّفُ فِي حَقِّ الْعَامَّةِ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ، وَلَا يُنَافِي أَيْضًا قَوْلَ الْمُصَنَّفِ فِي تَعْلِيلِ وَجْهِ الْقِيَاسِ لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا بِفَسَادِ الْأَمْرِ فَمَا غَرَّهُمْ؟ لِأَنَّ فَسَادَ الْأَمْرِ مُقَرَّرٌ عَلَى كُلٍّ مِنْ الِاحْتِمَالَيْنِ. أَمَّا عَلَى احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ لَيْسَ لِي فِيهِ حَقُّ الْحَفْرِ أَصْلًا: أَيْ عَلَى الِاخْتِصَاصِ وَلَا عَلَى الِاشْتِرَاكِ فَظَاهِرٌ. وَأَمَّا عَلَى احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ لَيْسَ لِي فِيهِ عَلَى الِاخْتِصَاصِ حَقُّ الْحَفْرِ فَلِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْحَفْرِ فِي حَقِّ الْعَامَّةِ أَوْ فِي الْحَقِّ الْمُشْتَرَكِ بِدُونِ إذْنِ الشَّرِيكِ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ تَعَدٍّ، وَلِهَذَا لَوْ فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ فَتَلِفَ بِهِ إنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute