للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هُنَاكَ يَضْمَنُ الْمَأْمُورُ وَيَرْجِعُ عَلَى الْآمِرِ لِأَنَّ الذَّابِحَ مُبَاشِرٌ وَالْآمِرُ مُسَبِّبٌ وَالتَّرْجِيحُ لِلْمُبَاشَرَةِ فَيَضْمَنُ الْمَأْمُورُ وَيَرْجِعُ الْمَغْرُورُ، وَهُنَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ ابْتِدَاءً لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسَبِّبٌ وَالْأَجِيرُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ وَالْمُسْتَأْجِرُ مُتَعَدٍّ فَيُرَجَّحُ جَانِبُهُ (وَإِنْ عَلِمُوا ذَلِكَ فَالضَّمَانُ عَلَى الْأُجَرَاءِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ أَمْرُهُ بِمَا لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لَهُ وَلَا غُرُورَ فَبَقِيَ الْفِعْلُ مُضَافًا إلَيْهِمْ (وَإِنْ قَالَ لَهُمْ: هَذَا فِنَائِي وَلَيْسَ لِي فِيهِ حَقُّ الْحَفْرِ فَحَفَرُوا وَمَاتَ فِيهِ إنْسَانٌ) فَالضَّمَانُ

فِي مَسْأَلَةِ الْحَفْرِ فِي فِنَاءِ دَارِهِ الَّتِي جَوَابُهَا عَدَمُ الضَّمَانِ بِدُونِ إذْنِ الْإِمَامِ أَيْضًا عَلَى التَّقْيِيدِ بِإِذْنِ الْإِمَامِ كَمَا لَا يَخْفَى. وَقَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ: وَقِيلَ إنَّمَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَحْفِرَ فِي فِنَاءِ دَارِهِ إذَا كَانَ الْفِنَاءُ مَمْلُوكًا لَهُ، أَوْ كَانَ بِحَيْثُ لَا يَلْحَقُ الضَّرَرُ بِغَيْرِهِ، لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَلْحَقْ الضَّرَرُ بِغَيْرِهِ يَكُونُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ مُقَيَّدًا بِشَرْطِ السَّلَامَةِ بِعَدَمِ التَّعَدِّي.

أَمَّا إذَا كَانَ الْفِنَاءُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ كَانَ مُشْتَرَكًا كَمَا إذَا كَانَ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ يَجِبُ الضَّمَانُ لِوُجُودِ التَّعَدِّي انْتَهَى. أَقُولُ: قَدْ زَادَ ذَلِكَ الشَّارِحُ نَغْمَةً فِي الطُّنْبُورِ مِنْ جِهَةِ الْفَسَادِ حَيْثُ شَرَحَ قَوْلَهُ أَوْ كَانَ لَهُ حَقُّ الْحَفْرِ فِيهِ بِأَنْ قَالَ: أَوْ كَانَ بِحَيْثُ لَا يَلْحَقُ الضَّرَرُ بِغَيْرِهِ، فَاشْتَرَكَ مَعَ جُمْهُورِ الشُّرَّاحِ فِي أَنْ يَرِدَ عَلَيْهِ مَا يَرِدُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ مِنْ وَجْهَيْ تَفْسِيرِهِمْ كَمَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ، وَقَالَ فِي تَعْلِيلِ ذَلِكَ: لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَلْحَقْ الضَّرَرُ بِالْغَيْرِ يَكُونُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ مُقَيَّدًا بِشَرْطِ السَّلَامَةِ لِعَدَمِ التَّعَدِّي. وَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ يَقْتَضِي الضَّمَانَ عِنْدَ الْهَلَاكِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي مَسَائِلَ عَدِيدَةٍ، وَجَوَابُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَدَمُ الضَّمَانِ عِنْدَ الْهَلَاكِ لِعَدَمِ التَّعَدِّي فَلَا مَعْنَى لِلتَّقْيِيدِ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ كَمَا لَا يَخْفَى. ثُمَّ أَقُولُ: الصَّوَابُ عِنْدِي أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ أَوْ كَانَ لَهُ حَقُّ الْحَفْرِ فِيهِ إنْ كَانَ لَهُ حَقُّ الِاخْتِصَاصِ بِالْحَفْرِ فِيهِ بِأَنْ كَانَ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ بِالِانْتِفَاعِ فِيهِ أَوْ كَانَ مِمَّا اسْتَأْجَرَهُ لِلِانْتِفَاعِ فِيهِ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، فَحِينَئِذٍ يَنْتَظِمُ السِّبَاقُ وَاللِّحَاقُ بِلَا غُبَارٍ كَمَا تَرَى.

(قَوْلُهُ وَإِنْ عَلِمُوا بِذَلِكَ فَالضَّمَانُ عَلَى الْأُجَرَاءِ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ أَمْرُهُ بِمَا لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لَهُ وَلَا غُرُورَ فَبَقِيَ الْفِعْلُ مُضَافًا إلَيْهِمْ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ تَسَامُحٌ، لِأَنَّ صِحَّةَ الْأَمْرِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَا تَحْتَاجُ إلَى كَوْنِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي مِلْكِهِ حَتَّى يَصِحَّ التَّعْلِيلُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ أَمْرُهُ بِمَا لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لَهُ، بَلْ الْمُنَاسِبُ أَنْ يُقَالَ: لِأَنَّ الْأَمْرَ لَمْ يَصِحَّ ظَاهِرًا حَيْثُ عَلِمُوا اهـ. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِسَدِيدٍ، لِأَنَّ مَدَارَ زَعْمِهِ التَّسَامُحَ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْغَفْلَةِ عَنْ دُخُولِ قَوْلِهِ وَلَا غُرُورَ فِي تَمَامِ التَّعْلِيلِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ دَاخِلٌ فِيهِ، فَقَوْلُهُ لَمْ يَصِحَّ أَمْرُهُ بِمَا لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لَهُ إشَارَةٌ إلَى انْتِفَاءِ صِحَّةِ أَمْرِهِ حَقِيقَةً. وَقَوْلُهُ وَلَا غُرُورَ إشَارَةٌ إلَى انْتِفَاءِ صِحَّتِهِ ظَاهِرًا، وَالْمَعْنَى لَمْ يَصِحَّ أَمْرُهُ حَقِيقَةً لِانْتِفَاءِ الْمِلْكِ فِي الْمَأْمُورِ بِهِ، وَلَا ظَاهِرًا لِعَدَمِ الْغُرُورِ حَيْثُ عَلِمُوا، فَظَهَرَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ تَعْلِيلٌ مُفِيدٌ وَاسِعٌ لَيْسَ بِمَثَابَةِ أَنْ يُقَالَ: لِأَنَّ الْأَمْرَ لَمْ يَصِحَّ ظَاهِرًا حَيْثُ عَلِمُوا كَمَا تَرَى، فَلَمْ يَتِمَّ الْقَوْلُ بِأَنَّ ذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>