(وَكَذَا إذَا حَفَرَهُ فِي فِنَاءِ دَارِهِ) لِأَنَّ لَهُ ذَلِكَ لِمَصْلَحَةِ دَارِهِ وَالْفِنَاءُ فِي تَصَرُّفِهِ. وَقِيلَ هَذَا إذَا كَانَ الْفِنَاءُ مَمْلُوكًا لَهُ أَوْ كَانَ لَهُ حَقُّ الْحَفْرِ فِيهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ، أَمَّا إذَا كَانَ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مُشْتَرَكًا بِأَنْ كَانَ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ لِأَنَّهُ مُسَبِّبٌ مُتَعَدٍّ وَهَذَا صَحِيحٌ.
(وَلَوْ حَفَرَ فِي الطَّرِيقِ وَمَاتَ الْوَاقِعُ فِيهِ جُوعًا أَوْ غَمًّا لَا ضَمَانَ عَلَى الْحَافِرِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ لِأَنَّهُ مَاتَ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ فَلَا يُضَافُ إلَى الْحَفْرِ، وَالضَّمَانُ إنَّمَا يَجِبُ إذَا مَاتَ مِنْ الْوُقُوعِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ﵀: إنْ مَاتَ جُوعًا فَكَذَلِكَ، وَإِنْ مَاتَ غَمًّا فَالْحَافِرُ ضَامِنٌ لَهُ لِأَنَّهُ لَا سَبَبَ لِلْغَمِّ سِوَى الْوُقُوعِ، أَمَّا الْجُوعُ فَلَا يَخْتَصُّ بِالْبِئْرِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: هُوَ ضَامِنٌ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا، لِأَنَّهُ إنَّمَا حَدَثَ بِسَبَبِ الْوُقُوعِ، إذْ لَوْلَاهُ لَكَانَ الطَّعَامُ قَرِيبًا مِنْهُ. .
قَالَ: (وَإِنْ اسْتَأْجَرَ أُجَرَاءَ فَحَفَرُوهَا لَهُ فِي غَيْرِ فِنَائِهِ فَذَلِكَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْأُجَرَاءِ إنْ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهَا فِي غَيْرِ فِنَائِهِ) لِأَنَّ الْإِجَارَةَ صَحَّتْ ظَاهِرًا إذَا لَمْ يَعْلَمُوا فَنُقِلَ فِعْلُهُمْ إلَيْهِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مَغْرُورِينَ، فَصَارَ كَمَا إذَا أَمَرَ آخَرَ بِذَبْحِ هَذِهِ الشَّاةِ فَذَبَحَهَا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الشَّاةَ لِغَيْرِهِ، إلَّا أَنَّ
قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا حَفَرَهُ فِي فِنَاءِ دَارِهِ) يَعْنِي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْفِنَاءُ مِلْكَهُ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا. أَقُولُ: يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ يُنَافِي مَا ذَكَرَ فِيمَا مَرَّ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الْمُقَرَّرَةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا وَهُوَ قَوْلُهُ وَإِذَا اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِيَبْنِيَ لَهُ فِي فِنَاءِ حَانُوتِهِ فَتَعَقَّلَ بِهِ إنْسَانٌ بَعْدَ فَرَاغِهِ فَمَاتَ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْآمِرِ اسْتِحْسَانًا فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَقِيلَ هَذَا إذَا كَانَ الْفِنَاءُ مَمْلُوكًا أَوْ كَانَ لَهُ حَقُّ الْحَفْرِ فِيهِ) قَالَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ أَوْ كَانَ لَهُ حَقُّ الْحَفْرِ فِيهِ بِأَنْ كَانَ لَا يَضُرُّ بِأَحَدِ أَوْ أَذِنَ لَهُ الْإِمَامُ فِي ذَلِكَ. أَقُولُ: فِي كُلٍّ مِنْ وَجْهَيْ تَفْسِيرِهِمْ خَلَلٌ. أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ أَمَّا إذَا كَانَ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مُشْتَرَكًا إلَخْ يَأْبَاهُ جِدًّا، فَإِنَّ عَدَمَ الضَّرَرِ لِأَحَدٍ قَدْ يَتَحَقَّقُ فِي صُورَةِ كَوْنِهِ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مُشْتَرَكًا أَيْضًا، وَقَدْ جُعِلَ الْحُكْمُ فِيهَا خِلَافَ مَا إذَا كَانَ لَهُ حَقُّ الْحَفْرِ فِيهِ.
وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَلِأَنَّهُ إذَا أَذِنَ لَهُ الْإِمَامُ يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي طَرِيقِ الْعَامَّةِ أَيْضًا فَلَا يَضْمَنُ مَا عَطِبَ فِيهِ كَمَا مَرَّ آنِفًا، وَلَا شَكَّ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ بَعْدَ بَيَانِ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ إنْ حَفَرَ فِي مِلْكِهِ لَمْ يَضْمَنْ، وَكَذَلِكَ إذَا حَفَرَهُ فِي فِنَاءِ دَارِهِ هُوَ أَنَّ الْحَافِرَ لَا يَضْمَنُ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ بِدُونِ إذْنِ الْإِمَامِ أَيْضًا، وَعَنْ هَذَا قَالَ الشُّرَّاحُ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَكَذَلِكَ إنْ حَفَرَهُ فِي مِلْكِهِ لَمْ يَضْمَنْ: يَعْنِي كَمَا إذَا أَذِنَ لَهُ فَحَفَرَهُ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَضْمَنْ، كَذَلِكَ إنْ حَفَرَهُ فِي مِلْكِهِ بِلَا إذْنِ الْإِمَامِ لَمْ يَضْمَنْ، فَلَا مَعْنَى لِحَمْلِ مَا قِيلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute