للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقِيلَ هَذَا اسْتِحْسَانٌ وَفِي الْقِيَاسِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَيَصِيرُ مُتَبَرِّعًا. وَقِيلَ الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشِرَاءٍ، فَأَمَّا الْإِنْفَاقُ يَتَضَمَّنُ الشِّرَاءَ فَلَا يَدْخُلَانِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

شِرَاءِ شَيْءٍ يَصْلُحُ لِنَفَقَتِهِمْ وَلَا يَكُونُ مَالُ الْمُوَكِّلِ مَعَهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَيَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُؤَدِّيَ ثَمَنَهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَكَانَ فِي التَّوْكِيلِ بِذَلِكَ تَجْوِيزُ الِاسْتِبْدَالِ، وَاعْلَمْ أَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَذْكُرْ فِي الْأَصْلِ مَسْأَلَةَ الْإِنْفَاقِ، بَلْ ذَكَرَ فِيهِ مَسْأَلَةَ قَضَاءِ الدَّيْنِ فَقَالَ: وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَالَ ادْفَعْهَا إلَى فُلَانٍ قَضَاءً عَنِّي فَدَفَعَ الْوَكِيلُ غَيْرَهَا وَاحْتَبَسَ الْأَلْفَ عِنْدَهُ كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَدْفَعَ الَّتِي حَبَسَهَا إلَى الْمُوَكِّلِ وَيَكُونَ مُتَطَوِّعًا فِي الَّتِي دَفَعَ، وَلَكِنِّي أَدَعُ الْقِيَاسَ فِي ذَلِكَ وَأَسْتَحْسِنُ أَنْ أُجِيزَهُ، إلَى هُنَا لَفْظُ الْأَصْلِ.

وَإِنَّمَا ذَكَرَ مَسْأَلَةَ الْإِنْفَاقِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَكِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْقِيَاسَ وَالِاسْتِحْسَانَ فِيهِ فَقَالُوا فِي شُرُوحِهِ: هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَى الْمُوَكِّلِ إنْ كَانَتْ قَائِمَةً وَيَضْمَنُ إنْ كَانَ اسْتَهْلَكَهَا، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ (وَقِيلَ هَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَفِي الْقِيَاسِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَيَصِيرُ مُتَبَرِّعًا) أَيْ لَيْسَ لِلْوَكِيلِ إنْفَاقُ عَشَرَةِ نَفْسِهِ بِمُقَابَلَةِ عَشَرَةِ الْمُوَكِّلِ، بَلْ إذَا أَنْفَقَ عَشَرَةَ نَفْسِهِ يَصِيرُ مُتَبَرِّعًا فِيمَا أَنْفَقَ وَيَرُدُّ الدَّرَاهِمَ الْمَأْخُوذَةَ مِنْ الْمُوَكِّلِ عَلَيْهِ، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهَا ضَمِنَ. وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ الدَّرَاهِمَ تَتَعَيَّنُ فِي الْوِكَالَاتِ حَتَّى لَوْ هَلَكَتْ قَبْلَ الْإِنْفَاقِ بَطَلَتْ الْوِكَالَةُ، فَإِذَا أَنْفَقَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَقَدْ أَنْفَقَ بِغَيْرِ أَمْرِ الْمُوَكِّلِ فَيَصِيرُ مُتَبَرِّعًا.

وَأَمَّا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ فَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا مَرَّ آنِفًا بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالْإِنْفَاقِ وَكِيلٌ بِالشِّرَاءِ إلَخْ، وَقَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَيْضًا: مِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ: لَيْسَ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ مَعْنَى الشِّرَاءِ فَوَرَدَ فِيهِ الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ. أَمَّا الْإِنْفَاقُ فَفِيهِ شِرَاءٌ فَلَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ وَجْهُ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ، بَلْ صَحَّ ذَلِكَ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا حَتَّى رَجَعَ الْوَكِيلُ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِمَا أَنْفَقَ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ (وَقِيلَ الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشِرَاءٍ) هَذَا وَجْهُ الْقِيَاسِ: يَعْنِي لَمَّا لَمْ يَكُنْ قَضَاءُ الدَّيْنِ شِرَاءً لَمْ يَكُنْ الْآمِرُ رَاضِيًا بِثُبُوتِ الدَّيْنِ فِي ذِمَّتِهِ لِلْوَكِيلِ فَلَوْ لَمْ نَجْعَلْهُ مُتَبَرِّعًا لَأَلْزَمْنَاهُ دَيْنًا لَمْ يَرْضَ بِهِ فَجَعَلْنَاهُ مُتَبَرِّعًا قِيَاسًا. وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ مَأْمُورٌ بِشِرَاءِ مَا فِي ذِمَّةِ الْآمِرِ بِالدَّرَاهِمِ، وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ إذَا اشْتَرَى وَنَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ سُلِّمَ الْمَقْبُوضُ لَهُ اهـ (فَأَمَّا الْإِنْفَاقُ) فَإِنَّهُ (يَتَضَمَّنُ الشِّرَاءَ) لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْإِنْفَاقِ أَمَرَ بِشِرَاءِ الطَّعَامِ، وَالشِّرَاءُ لَا يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ الدَّرَاهِمِ الْمَدْفُوعَةِ بَلْ بِمِثْلِهَا فِي الذِّمَّةِ، ثُمَّ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى الْآمِرِ فَكَانَ رَاضِيًا بِثُبُوتِ الدَّيْنِ فَلَمْ يُجْعَلْ مُتَبَرِّعًا قِيَاسًا أَيْضًا (فَلَا يَدْخُلَانِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) أَيْ فَلَا يَدْخُلُ الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ فِي الْإِنْفَاقِ، بَلْ يَكُونُ فِيهِ حُكْمِ الْقِيَاسِ كَحُكْمِ الِاسْتِحْسَانِ فِي أَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا بِالْإِنْفَاقِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>