لِأَنَّ قَائِدَ الْوَاحِدِ قَائِدٌ لِلْكُلِّ، وَكَذَا سَائِقُهُ لِاتِّصَالِ الْأَزِمَّةِ، وَهَذَا إذَا كَانَ السَّائِقُ فِي جَانِبٍ مِنْ الْإِبِلِ، أَمَّا إذَا كَانَ تَوَسَّطَهَا وَأَخَذَ بِزِمَامٍ وَاحِدٍ يَضْمَنُ مَا عَطِبَ بِمَا هُوَ خَلْفَهُ، وَيَضْمَنَانِ مَا تَلِفَ بِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ لِأَنَّ الْقَائِدَ لَا يَقُودُ مَا خَلْفَ السَّائِقِ لِانْفِصَامِ الزِّمَامِ، وَالسَّائِقُ يَسُوقُ مَا يَكُونُ قُدَّامَهُ.
قَالَ (وَإِنْ رَبَطَ رَجُلٌ بَعِيرًا إلَى الْقِطَارِ وَالْقَائِدُ لَا يَعْلَمُ فَوَطِئَ الْمَرْبُوطُ إنْسَانًا فَقَتَلَهُ فَعَلَى عَاقِلَةِ الْقَائِدِ الدِّيَةُ) لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ صِيَانَةُ الْقِطَارِ عَنْ رَبْطِ غَيْرِهِ، فَإِذَا تَرَكَ الصِّيَانَةَ صَارَ مُتَعَدِّيًا، وَفِي التَّسْبِيبِ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَمَا فِي الْقَتْلِ الْخَطَإِ (ثُمَّ يَرْجِعُونَ بِهَا عَلَى عَاقِلَةِ الرَّابِطِ) لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَوْقَعَهُمْ فِي هَذِهِ الْعُهْدَةِ، وَإِنَّمَا لَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا فِي الِابْتِدَاءِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُسَبِّبٌ لِأَنَّ الرَّبْطَ مِنْ الْقَوْدِ بِمَنْزِلَةِ التَّسَيُّبِ مِنْ الْمُبَاشَرَةِ لِاتِّصَالِ التَّلَفِ بِالْقَوْدِ دُونَ الرَّبْطِ. قَالُوا: هَذَا إذَا رَبَطَ وَالْقِطَارُ يَسِيرُ لِأَنَّهُ أَمْرٌ بِالْقَوْدِ دَلَالَةً، فَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ لَا يُمْكِنُهُ التَّحَفُّظُ مِنْ ذَلِكَ فَيَكُونُ قَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الرَّابِطِ، أَمَّا إذَا رَبَطَ وَالْإِبِلُ قِيَامٌ ثُمَّ قَادَهَا ضَمِنَهَا الْقَائِدُ لِأَنَّهُ قَادَ بَعِيرَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا صَرِيحًا وَلَا دَلَالَةً فَلَا يَرْجِعُ بِمَا لَحِقَهُ عَلَيْهِ.
قَالَ (وَمَنْ أَرْسَلَ بَهِيمَةً وَكَانَ لَهَا سَائِقًا فَأَصَابَتْ فِي فَوْرِهَا يَضْمَنُهُ) لِأَنَّ الْفِعْلَ انْتَقَلَ إلَيْهِ بِوَاسِطَةِ السَّوْقِ. قَالَ (وَلَوْ أَرْسَلَ طَيْرًا وَسَاقَهُ فَأَصَابَ فِي فَوْرِهِ لَمْ يَضْمَنْ) وَالْفَرْقُ أَنَّ بَدَنَ الْبَهِيمَةِ يَحْتَمِلُ السَّوْقَ فَاعْتُبِرَ سَوْقُهُ وَالطَّيْرُ لَا يَحْتَمِلُ السَّوْقَ فَصَارَ وُجُودُ السَّوْقِ وَعَدَمِهِ بِمَنْزِلَةٍ، وَكَذَا لَوْ أَرْسَلَ كَلْبًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ سَائِقًا لَمْ يَضْمَنْ، وَلَوْ
مِنْ السُّنَّةِ عِنْدَ التَّعَارُضِ وَالتَّسَاقُطِ إلَى الْقِيَاسِ إذْ يَكُونُ الْقِيَاسُ إذْ ذَاكَ فِي مُقَابَلَةِ السُّنَّةِ لَا مَحَالَةَ. وَالصَّوَابُ فِي الْجَوَابِ عَنْ الثَّانِي أَنْ يُقَالَ: مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ فَرَجَّحْنَا بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّا رَجَّحْنَا قَوْلَنَا بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْمَعْقُولِ الَّذِي مَآلُهُ الْقِيَاسُ بَعْدَ أَنْ تَعَارَضَتْ رِوَايَتَاهُ، لَا أَنَّا رَجَّحْنَا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ حَتَّى يُتَّجَهَ عَلَيْهِ أَنَّ مَا يَصْلُحُ حُجَّةً لَا يَصْلُحُ مُرَجِّحًا. بَقِيَ هَاهُنَا شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ جَوَابُ الْقِيَاسِ وَمَا قُلْنَاهُ جَوَابُ الِاسْتِحْسَانِ، وَإِذَا تَعَارَضَتْ الرِّوَايَتَانِ عَنْ عَلِيٍّ ﵁ وَتَسَاقَطَتَا فَكَانَ مَصِيرُنَا فِي إثْبَاتِ قَوْلِنَا إلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْمَعْقُولِ الَّذِي مَآلُهُ الْقِيَاسُ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مَا قُلْنَاهُ جَوَابَ الْقِيَاسِ أَيْضًا، فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ: إنَّهُ جَوَابُ الِاسْتِحْسَانِ؟ وَالْجَوَابُ أَنَّ الِاسْتِحْسَانَ لَا يَنْحَصِرُ فِي النَّصِّ، بَلْ قَدْ يَكُونُ بِالنَّصِّ كَمَا فِي السَّلَمِ وَالْإِجَارَةِ وَبَقَاءِ الصَّوْمِ فِي النِّسْيَانِ، وَقَدْ يَكُونُ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي الِاسْتِصْنَاعِ، وَقَدْ يَكُونُ بِالضَّرُورَةِ كَمَا فِي طَهَارَةِ الْحِيَضِ وَالْآبَارِ، وَقَدْ يَكُونُ بِالْقِيَاسِ الْخَفِيِّ وَهُوَ الْأَكْثَرُ كَمَا صُرِّحَ بِذَلِكَ كُلِّهِ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ، فَالْمُرَادُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute