أَرْسَلَهُ إلَى صَيْدٍ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ سَائِقًا فَأَخَذَ الصَّيْدَ وَقَتَلَهُ حَلَّ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْبَهِيمَةَ مُخْتَارَةٌ فِي فِعْلِهَا وَلَا تَصْلُحُ نَائِبَةً عَنْ الْمُرْسِلِ فَلَا يُضَافُ فِعْلُهَا إلَى غَيْرِهَا، هَذَا هُوَ الْحَقِيقَةُ، إلَّا أَنَّ الْحَاجَةَ مَسَّتْ فِي الِاصْطِيَادِ فَأُضِيفَ إلَى الْمُرْسِلِ لِأَنَّ الِاصْطِيَادَ مَشْرُوعٌ وَلَا طَرِيقَ لَهُ سِوَاهُ وَلَا حَاجَةَ فِي حَقِّ ضَمَانِ الْعُدْوَانِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ أَوْجَبَ الضَّمَانَ فِي هَذَا كُلِّهِ احْتِيَاطًا صِيَانَةً لِأَمْوَالِ النَّاسِ. قَالَ ﵁: وَذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ إذَا أَرْسَلَ دَابَّةً فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ فَأَصَابَتْ فِي فَوْرِهَا فَالْمُرْسِلُ ضَامِنٌ؛ لِأَنَّ سَيْرَهَا مُضَافٌ إلَيْهِ مَا دَامَتْ تَسِيرُ عَلَى سَنَنِهَا، وَلَوْ انْعَطَفَتْ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً انْقَطَعَ حُكْمُ الْإِرْسَالِ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ طَرِيقٌ آخَرُ سِوَاهُ وَكَذَا إذَا وَقَفَتْ ثُمَّ سَارَتْ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَفَتْ بَعْدَ الْإِرْسَالِ فِي الِاصْطِيَادِ ثُمَّ سَارَتْ فَأَخَذَتْ الصَّيْدَ، لِأَنَّ تِلْكَ الْوَقْفَةَ تَحَقُّقُ مَقْصُودِ الْمُرْسِلِ لِأَنَّهُ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الصَّيْدِ، وَهَذِهِ تُنَافِي مَقْصُودَ الْمُرْسِلِ وَهُوَ السَّيْرُ فَيَنْقَطِعُ حُكْمُ الْإِرْسَالِ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا أَرْسَلَهُ إلَى صَيْدٍ فَأَصَابَ نَفْسًا أَوْ مَالًا فِي فَوْرِهِ لَا يَضْمَنُهُ مَنْ أَرْسَلَهُ، وَفِي الْإِرْسَالِ فِي الطَّرِيقِ يَضْمَنُهُ لِأَنَّ شَغْلَ الطَّرِيقِ تَعَدٍّ فَيَضْمَنُ مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ، أَمَّا الْإِرْسَالُ لِلِاصْطِيَادِ فَمُبَاحٌ وَلَا تَسْبِيبَ إلَّا بِوَصْفِ التَّعَدِّي.
قَالَ (وَلَوْ أَرْسَلَ بَهِيمَةً فَأَفْسَدَتْ زَرْعًا عَلَى فَوْرِهِ ضَمِنَ الْمُرْسِلُ، وَإِنْ مَالَتْ يَمِينًا أَوْ شِمَالًا) وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ لَا يَضْمَنُ لِمَا مَرَّ، وَلَوْ انْفَلَتَتْ الدَّابَّةُ فَأَصَابَتْ مَالًا أَوْ آدَمِيًّا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا (لَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِهَا) لِقَوْلِهِ ﵊ «جُرْحُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ» وَقَالَ مُحَمَّدٌ ﵀: هِيَ الْمُنْفَلِتَةُ، وَلِأَنَّ الْفِعْلَ غَيْرُ مُضَافٍ إلَيْهِ لِعَدَمِ مَا يُوجِبُ النِّسْبَةَ إلَيْهِ
بِالِاسْتِحْسَانِ فِي قَوْلِهِمْ هُنَا وَمَا قُلْنَاهُ جَوَابُ الِاسْتِحْسَانِ هُوَ الْقِيَاسُ الْخَفِيُّ الْمُقَابِلُ لِلْقِيَاسِ الْجَلِيِّ فَلَا إشْكَالَ
(قَوْلُهُ أَمَّا الْإِرْسَالُ لِلِاصْطِيَادِ فَمُبَاحٌ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: نَعَمْ إلَّا أَنَّهُ لَمْ لَا يَكُنْ مُقَيَّدًا بِشَرْطِ السَّلَامَةِ اهـ.
أَقُولُ: جَوَابُهُ يَظْهَرُ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ ﵀ وَلَا تَسْبِيبَ إلَّا بِوَصْفِ التَّعَدِّي، فَإِنَّ كَوْنَ الْفِعْلِ الْمُبَاحِ مُقَيَّدًا بِشَرْطِ السَّلَامَةِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا وُجِدَ فِيهِ التَّعَدِّي كَمَا فِي الْمُرُورِ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ حَيْثُ يُوجَدُ فِيهِ شَغْلُ الطَّرِيقِ الَّذِي هُوَ حَقُّ الْعَامَّةِ. وَأَمَّا فِيمَا لَا يُوجَدُ فِيهِ التَّعَدِّي كَمَا فِي الْإِرْسَالِ لِلِاصْطِيَادِ فَلَا مَعْنَى لِلتَّقْيِيدِ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ، لِأَنَّ الضَّمَانَ فِي أَمْثَالِ ذَلِكَ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ بِالتَّسْبِيبِ وَلَا تَسْبِيبَ إلَّا بِوَصْفِ التَّعَدِّي، وَحَيْثُ لَمْ يُوجَدْ التَّعَدِّي لَمْ يُتَصَوَّرْ التَّسْبِيبُ فَلَا ضَمَانَ أَصْلًا. وَقَدْ أَوْضَحَ الْفَرْقَ بَيْنَ إرْسَالِ الدَّابَّةِ فِي الطَّرِيقِ وَبَيْنَ إرْسَالِ الْكَلْبِ أَوْ الْبَازِي لِلِاصْطِيَادِ فِي الذَّخِيرَةِ حَيْثُ قَالَ: وَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ إرْسَالَ الدَّابَّةِ فِي الطَّرِيقِ إذَا لَمْ يُتْبَعْ مَعَ الدَّابَّةِ وَأَمْكَنَهُ الِاتِّبَاعُ تَعَدٍّ مِنْ صَاحِبِهِ، فَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ. وَأَمَّا إرْسَالُ الْكَلْبِ أَوْ الْبَازِي مِنْ غَيْرِ اتِّبَاعٍ مَعَهُ فَلَيْسَ بِتَعَدٍّ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الِاتِّبَاعُ، وَالْمُتَسَبِّبُ فِي الْإِتْلَافِ لَا يَضْمَنُ إلَّا إذَا كَانَ مُتَعَدِّيًا. اهـ تَبَصَّرْ.
(قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْفِعْلَ غَيْرُ مُضَافٍ إلَيْهِ لِعَدَمِ مَا يُوجِبُ النِّسْبَةَ إلَيْهِ مِنْ الْإِرْسَالِ وَأَخَوَاتِهِ) وَهِيَ السَّوْقُ وَالْقَوْدُ وَالرُّكُوبُ، كَذَا فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ بَعْدَ بَيَانِهَا عَلَى النَّمَطِ الْمَزْبُورِ كَانَ مِنْ حَقِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute