مِنْ الْإِرْسَالِ وَأَخَوَاتِهِ.
قَالَ (شَاةٌ لِقَصَّابٍ فُقِئَتْ عَيْنُهَا فَفِيهَا مَا نَقَصَهَا) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا هُوَ اللَّحْمُ فَلَا يُعْتَبَرُ إلَّا النُّقْصَانُ (وَفِي عَيْنِ بَقَرَةِ الْجَزَّارِ وَجَزُورِهِ رُبْعُ الْقِيمَةِ، وَكَذَا فِي عَيْنِ الْحِمَارِ وَالْبَغْلِ وَالْفَرَسِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فِيهِ النُّقْصَانُ أَيْضًا اعْتِبَارًا بِالشَّاةِ. وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ ﵊ قَضَى فِي عَيْنِ الدَّابَّةِ بِرُبْعِ الْقِيمَةِ» وَهَكَذَا قَضَى عُمَرُ ﵁، وَلِأَنَّ فِيهَا مَقَاصِدَ سِوَى اللَّحْمِ كَالْحَمْلِ
اللَّفْظِ أَنْ يَقُولَ: مِنْ الْإِرْسَالِ وَأَمْثَالِهِ، أَوْ يَقُولَ: مِنْ الْإِرْسَالِ وَأَخَوَاتِهَا بِتَأْوِيلِ الْكَلِمَةِ، إذْ السَّوْقُ أَوْ الْقَوْدُ لَمَّا كَانَ أُخْتًا لَا أَخًا لِلْإِرْسَالِ كَانَ الْإِرْسَالُ أُخْتًا أَيْضًا، وَإِلَّا يَلْزَمُ جَعْلُ بَعْضِ أَسْبَابِ التَّعَدِّي أَخًا وَبَعْضُهَا أُخْتًا مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ اهـ.
وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ نَقْلِ هَذَا عَنْ النِّهَايَةِ: وَلَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَا مُؤَنَّثٌ مَعْنَوِيٌّ خُولِفَ فِيمَا يَقْتَضِيهِ حَتَّى يُنَاقَشَ عَلَى ذَلِكَ اهـ.
أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِدَافِعٍ لِمَا قَالَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ كَانَ مِنْ حَقِّ اللَّفْظِ أَنْ يُؤْتَى بِأَدَاءِ التَّأْنِيثِ أَلْبَتَّةَ حَتَّى يُقَالَ: لَيْسَ هُنَا مُؤَنَّثٌ مَعْنَوِيٌّ يَقْتَضِي الْإِتْيَانَ بِأَدَاةِ التَّأْنِيثِ، بَلْ قَالَ: كَانَ حَقُّهُ أَنْ يَجْعَلَ أَسْبَابَ التَّعَدِّي فِي قَرْنٍ وَاحِدٍ مِنْ التَّذْكِيرِ وَالتَّأْنِيثِ بِأَنْ يُقَالَ مِنْ الْإِرْسَالِ وَأَمْثَالِهِ، أَوْ يُقَالَ مِنْ الْإِرْسَالِ وَأَخَوَاتِهَا، وَإِلَّا يَلْزَمُ جَعْلُ بَعْضِهَا مُذَكَّرًا وَبَعْضِهَا مُؤَنَّثًا مِنْ غَيْرِ أَمْرٍ يَدْعُو إلَيْهِ، وَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ لَا يَدْفَعُ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ. ثُمَّ أَقُولُ: الْوَجْهُ فِي دَفْعِ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: لَمَّا جَازَ تَذْكِيرُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْأَسْبَابِ بِاعْتِبَارِ مَا فِي ظَاهِرِ لَفْظِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا وَفِي مَعْنَاهُ مِنْ التَّذْكِيرِ وَجَازَ تَأْنِيثُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِتَأْوِيلِ لَفْظِهِ بِالْكَلِمَةِ أَوْ تَأْوِيلِ مَعْنَاهُ بِالْفَعْلَةِ صَحَّ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا الْوَجْهَانِ. ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ لَمَّا قَصَدَ رِعَايَةَ صَنْعَةِ الْمُطَابَقَةِ وَهِيَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمُتَضَادَّيْنِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ﴾ عَلَى مَا عُرِفَ ذَكَّرَ بَعْضَ تِلْكَ الْأَسْبَابِ وَأَنَّثَ بَعْضَهَا فَقَالَ مِنْ الْإِرْسَالِ وَأَخَوَاتِهِ، تَدَبَّرْ تَقِفْ.
(قَوْلُهُ وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ ﵊ قَضَى فِي عَيْنِ الدَّابَّةِ بِرُبْعِ الْقِيمَةِ») قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَضَاءُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِيمَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ. فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي أَوْجَبَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمَأْكُولِ مِنْ الْحَمْلِ وَالرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ وَالْجَمَالِ وَالْعَمَلِ مَوْجُودٌ فِي مَأْكُولِ اللَّحْمِ فَيَلْحَقُ بِهِ اهـ.
أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ نَظَرٌ، إذْ لِمَانِعٍ أَنْ يَمْنَعَ أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي أَوْجَبَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ تِلْكَ الْأُمُورُ الْمَذْكُورَةُ وَحْدَهَا لِجَوَازِ كَوْنِ أَنْ لَا يُقْصَدَ مِنْهُ اللَّحْمُ أَصْلًا كَمَا يُقْصَدُ ذَلِكَ مِنْ الشَّاةِ دَاخِلًا فِي كَوْنِ ذَلِكَ الْمَعْنَى أَيْضًا وَهُوَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي مَأْكُولِ اللَّحْمِ، إذْ قَدْ يُقْصَدُ مِنْهُ اللَّحْمُ كَمَا تُقْصَدُ تِلْكَ الْأُمُورُ الْمَذْكُورَةُ أَيْضًا فَلَا يَتِمُّ الْإِلْحَاقُ كَمَا لَا يَخْفَى.
(قَوْلُهُ وَلِأَنَّ فِيهَا مَقَاصِدُ سِوَى اللَّحْمِ إلَخْ) أَقُولُ: فِيهِ كَلَامٌ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute