قِيلَ لِمَوْلَاهُ: إمَّا أَنْ تَدْفَعَهُ بِهَا أَوْ تَفْدِيهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: جِنَايَتُهُ فِي رَقَبَتِهِ يُبَاعُ فِيهَا إلَّا أَنْ يَقْضِيَ الْمَوْلَى الْأَرْشَ، وَفَائِدَةُ الِاخْتِلَافِ فِي اتِّبَاعِ الْجَانِي بَعْدَ الْعِتْقِ. وَالْمَسْأَلَةُ مُخْتَلِفَةٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ -. لَهُ أَنَّ الْأَصْلَ فِي مُوجِبِ الْجِنَايَةِ أَنْ يَجِبَ عَلَى الْمُتْلِفِ لِأَنَّهُ هُوَ الْجَانِي، إلَّا أَنَّ الْعَاقِلَةَ تَتَحَمَّلُ عَنْهُ، وَلَا عَاقِلَةَ لِلْعَبْدِ لِأَنَّ الْعَقْلَ عِنْدِي بِالْقَرَابَةِ وَلَا قَرَابَةَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَمَوْلَاهُ فَتَجِبُ فِي ذِمَّتِهِ كَمَا فِي الدَّيْنِ. وَيَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ يُبَاعُ فِيهِ كَمَا فِي الْجِنَايَةِ
أَحْكَامِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْحُرِّ مُطْلَقًا بَلْ بَقِيَ مِنْهُ بَيَانُ حُكْمِ جِنَايَةِ الْعَبْدِ عَلَى الْحُرِّ، وَهُوَ أَيْضًا إنَّمَا يَتَبَيَّنُ فِي هَذَا الْبَابِ، فَالْأَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ: لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ جِنَايَةِ الْحُرِّ عَلَى الْحُرِّ شَرَعَ فِي بَيَانِ جِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ، وَلَمَّا كَانَ فِيهِ تَعَلُّقٌ بِالْمَمْلُوكِ أَلْبَتَّةَ مِنْ جَانِبٍ أَخَّرَهُ لِانْحِطَاطِ رُتْبَةِ الْمَمْلُوكِ عَنْ الْمَالِكِ. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: لَا يُقَالُ: الْعَبْدُ لَا يَكُونُ أَدْنَى مَنْزِلَةً مِنْ الْبَهِيمَةِ فَكَيْفَ أَخَّرَ بَابَ جِنَايَتِهِ عَنْ بَابِ جِنَايَةِ الْبَهِيمَةِ، لِأَنَّ جِنَايَةَ الْبَهِيمَةِ كَانَتْ بِاعْتِبَارِ الرَّاكِبِ أَوْ السَّائِقِ أَوْ الْقَائِدِ وَهُوَ مَالِكٌ اهـ.
أَقُولُ: فِيهِ أَيْضًا شَيْءٌ، إذْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنْ أَرَادَ أَنَّ جِنَايَةَ الْبَهِيمَةِ كَانَتْ أَلْبَتَّةَ بِاعْتِبَارِ الرَّاكِبِ أَوْ السَّائِقِ أَوْ الْقَائِدِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ جِنَايَتَهَا بِطَرِيقِ النَّفْحَةِ بِرِجْلِهَا أَوْ ذَنَبِهَا وَهِيَ تَسِيرُ لَا يَكُونُ بِاعْتِبَارِ أَحَدٍ مِنْهُمْ. وَإِلَّا لَوَجَبَ عَلَيْهِمْ الضَّمَانُ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا عُرِفَ فِي بَابِهَا. وَكَذَا الْحَالُ فِيمَا إذَا أَصَابَتْ بِيَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا حَصَاةً أَوْ نَوَاةً أَوْ أَثَارَتْ غُبَارًا أَوْ حَجَرًا صَغِيرًا فَفَقَأَ عَيْنَ إنْسَانٍ أَوْ أَفْسَدَ ثَوْبَهُ. وَكَذَا إذَا انْفَلَتَتْ فَأَصَابَ مَالًا أَوْ آدَمِيًّا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا كَمَا عُرِفَ كُلُّ ذَلِكَ أَيْضًا فِي بَابِهَا، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ جِنَايَتَهَا قَدْ تَكُونُ بِاعْتِبَارِ أَحَدٍ مِنْهُمْ فَهُوَ مُسَلَّمٌ وَلَكِنْ لَا يَتِمُّ بِهِ تَمَامُ التَّقْرِيبِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: الصُّوَرُ الَّتِي لَا يَجِبُ فِيهَا مِنْ فِعْلِ الْبَهِيمَةِ ضَمَانٌ عَلَى أَحَدٍ بَلْ يَكُونُ فِعْلُهَا هَدَرًا مِمَّا لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْجِنَايَةِ فِي الشَّرْعِ، وَإِنَّمَا ذُكِرَتْ فِي بَابِهَا اسْتِطْرَادًا. وَبِنَاءُ الْكَلَامِ هُنَا عَلَى مَالَهُ حُكْمٌ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فَيَتِمُّ التَّقْرِيبُ.
(قَوْلُهُ وَالْمَسْأَلَةُ مُخْتَلِفَةٌ بَيْنَ الصَّاحِبَةِ ﵃) قَالَ فِي الْكَافِي وَالْكِفَايَةِ: فَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵁ مِثْلُ مَذْهَبِنَا، وَعَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ ﵄ مِثْلُ مَذْهَبِهِ. وَقَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵁ كَمَا هُوَ مَذْهَبُنَا. وَعَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ ﵄ كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُمَا، فَإِنَّهُمَا قَالَا: عَبِيدُ النَّاسِ أَمْوَالُهُمْ، وَجِنَايَتُهُمْ فِي قِيمَتِهِمْ: أَيْ أَثْمَانِهِمْ. وَقَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: رَوَى أَصْحَابُنَا كَالْقُدُورِيِّ وَغَيْرِهِ فِي كُتُبِهِمْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵁ أَنَّهُ قَالَ: إذَا جَنَى الْعَبْدُ إنْ شَاءَ دَفَعَهُ وَإِنْ شَاءَ فَدَاهُ. وَعَنْ عُمَرَ ﵁ أَنَّهُ قَالَ: عَبِيدُ النَّاسِ أَمْوَالُهُمْ، وَجِنَايَتُهُمْ فِي قِيمَتِهِمْ وَعَنْ عَلِيٍّ ﵁ مِثْلُهُ. وَقَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ ﵁ أَنَّهُ قَالَ: عَبِيدُ النَّاسِ أَمْوَالُهُمْ جَزَاءُ جِنَايَتِهِمْ فِي رِقَابِ النَّاسِ كَمَذْهَبِنَا، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَأَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ ﵃. وَرُوِيَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute