عَلَى الْمَالِ.
وَلَنَا أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْآدَمِيِّ حَالَةَ الْخَطَإِ أَنْ تَتَبَاعَدَ عَنْ الْجَانِي تَحَرُّزًا عَنْ اسْتِئْصَالِهِ وَالْإِجْحَافِ بِهِ، إذْ هُوَ مَعْذُورٌ فِيهِ حَيْثُ لَمْ يَتَعَمَّدْ الْجِنَايَةَ، وَتَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي إذَا كَانَ لَهُ عَاقِلَةٌ،
عَنْ عُمَرَ ﵁ مِثْلُ مَذْهَبِهِ، فَإِنَّهُ قَالَ: عَبِيدُ النَّاسِ أَمْوَالُهُمْ جَزَاءَ جِنَايَتِهِمْ فِي قِيمَتِهِمْ: أَيْ فِي أَثْمَانِهِمْ، لِأَنَّ الثَّمَنَ قِيمَةُ الْعَبْدِ اهـ.
أَقُولُ: قَدْ اضْطَرَبَتْ كَلِمَاتُهُمْ فِي الرِّوَايَةِ عَنْ عَلِيٍّ ﵁، فَبَعْضُهُمْ نَقَلَ الرِّوَايَةَ عَنْهُ مِثْلَ مَذْهَبِ الْخَصْمِ وَبَعْضُهُمْ نَقَلَهَا عَنْهُ مِثْلَ مَذْهَبِنَا كَمَا تَرَى. ثُمَّ أَقُولُ: قَدْ خَالَفَ الْكُلَّ هُنَا صَاحِبُ الْبَدَائِعِ حَيْثُ قَالَ: وَلَنَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ ﵃، فَإِنَّهُ رَوَى عَنْ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَ مَذْهَبِنَا بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ﵃، وَلَمْ يُنْقَلْ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ فَيَكُونُ إجْمَاعًا مِنْهُمْ اهـ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يُخَالِفُ قَوْلَ الْعَامَّةِ وَالْمَسْأَلَةُ مُخْتَلِفَةٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -.
(قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْآدَمِيِّ فِي حَالَةِ الْخَطَإِ أَنْ تَتَبَاعَدَ عَنْ الْجَانِي إلَخْ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: فِيهِ بَحْثٌ، وَهُوَ أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْمَسْأَلَةِ مُخْتَلِفٌ، فَإِنَّ حُكْمَهَا عِنْدَنَا الْوُجُوبُ عَلَى الْمَوْلَى وَعِنْدَهُ الْوُجُوبُ عَلَى الْعَبْدِ كَمَا ذَكَرْنَا وَهُوَ بَنَاهُ عَلَى أَصْلٍ وَنَحْنُ عَلَى أَصْلٍ فَمِنْ أَيْنَ يَقُومُ لِأَحَدِنَا حُجَّةٌ عَلَى الْآخَرِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - جَعَلَ وُجُوبَ مُوجِبِ جِنَايَتِهِ فِي ذِمَّتِهِ كَوُجُوبِ الدَّيْنِ فِي ذِمَّتِهِ وَكَوُجُوبِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَالِ، فَنَحْنُ إذْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا بَقِيَ أَصْلُهُ بِلَا أَصْلٍ فَبَطَلَ، وَقَدْ بَيَّنَ الْمُصَنِّفُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ فَإِنَّهُمْ لَا يَتَعَاقَلُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ فَتَجِبُ فِي ذِمَّتِهِ صِيَانَةً لِلدَّمِ عَنْ الْهَدَرِ. وَقَوْلُهُ وَبِخِلَافِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَالِ لِأَنَّ الْعَوَاقِلَ لَا تَعْقِلُ الْمَالَ فَيَجِبُ فِي ذِمَّتِهِ، وَأَمَّا أَصْلُنَا فَهُوَ ثَابِتٌ فِي نَفْسِهِ مُسْتَنِدًا إلَى النَّصِّ الَّذِي لَا يُعْقَلُ إبْطَالُهُ لَيْسَ بِمَقِيسٍ عَلَى مَا يَبْطُلُ بِإِبْدَاءِ الْفَارِقِ، إلَى هُنَا كَلَامًا. أَقُولُ: جَوَابُهُ لَيْسَ بِتَامٍّ.
أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ مَدَارَ دَلِيلِ الشَّافِعِيِّ لَيْسَ عَلَى قِيَاسِ وُجُوبِ مُوجِبِ جِنَايَةِ الْعَبْدِ فِي ذِمَّتِهِ عَلَى وُجُوبِ الدَّيْنِ فِي ذِمَّتِهِ وَوُجُوبِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَالِ فِي ذِمَّتِهِ حَتَّى يَلْزَمُ مِنْ بَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَقِيسِ وَالْمَقِيسِ عَلَيْهِ أَنْ يَبْقَى مَذْهَبُهُ بِلَا أَصْلٍ، بَلْ مَدَارُ دَلِيلِهِ عَلَى أَنْ لَا عَاقِلَةَ لِلْعَبْدِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعَقْلَ عِنْدَهُ بِالْقَرَابَةِ لَا غَيْرُ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ وُجُوبَ الدَّيْنِ فِي ذِمَّتِهِ وَوُجُوبَ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَالِ فِي ذِمَّتِهِ فِي ذَيْلِ دَلِيلِهِ لِمُجَرَّدِ التَّنْظِيرِ كَمَا يُرْشِدُ إلَى ذَلِكَ كُلِّهِ تَقْرِيرُ الْمُصَنِّفِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ بَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَ مَسْأَلَتِنَا وَبَيْنَ مَا ذَكَرَهُ بِطَرِيقِ التَّنْظِيرِ بَقَاءُ أَصْلِهِ بِلَا أَصْلٍ كَمَا لَا يَخْفَى.
وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ لِلشَّافِعِيِّ أَنْ يَقُولَ: أَصْلُنَا مُسْتَنِدٌ إلَى النَّصِّ كَمَا أَنَّ أَصْلَكُمْ مُسْتَنِدٌ إلَى النَّصِّ، وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ ﵁ لَيْسَ بِمَقِيسٍ عَلَى مَا يَبْطُلُ بِإِبْدَاءِ الْفَرْقِ. ثُمَّ أَقُولُ: الْحَقُّ فِي الْجَوَابِ عَنْ الْبَحْثِ الْمَذْكُورِ أَنْ يُقَالَ: الْكَلَامُ فِي تَعْلِيلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ قَبِيلِ رَدِّ الْمُخْتَلِفِ إلَى الْمُخْتَلِفِ وَهُوَ أَنَّ الْعَاقِلَةَ مَنْ هِيَ؟ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ هِيَ أَهْلُ الْعَشِيرَةِ، وَقُلْنَا: هِيَ أَهْلُ النُّصْرَةِ، وَقَدْ ذُكِرَ ذَلِكَ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْمَعَاقِلِ مُدَلَّلًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute