(فَصْلٌ).
(وَمَنْ قَتَلَ عَبْدًا خَطَأً فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لَا تُزَادُ عَلَى عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ أَوْ أَكْثَرَ قَضَى لَهُ بِعَشَرَةِ آلَافٍ إلَّا عَشَرَةً، وَفِي الْأَمَةِ إذَا زَادَتْ قِيمَتُهَا عَلَى الدِّيَةِ خَمْسَةُ آلَافٍ إلَّا عَشَرَةً) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ: تَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، وَلَوْ غَصَبَ عَبْدًا قِيمَتُهُ عِشْرُونَ أَلْفًا فَهَلَكَ فِي يَدِهِ تَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ بِالْإِجْمَاعِ. لَهُمَا أَنَّ الضَّمَانَ بَدَلُ الْمَالِيَّةِ وَلِهَذَا يَجِبُ لِلْمَوْلَى وَهُوَ لَا يَمْلِكُ الْعَبْدَ إلَّا مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ، وَلَوْ قَتَلَ الْعَبْدُ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ يَبْقَى الْعَقْدُ وَبَقَاؤُهُ بِبَقَاءِ الْمَالِيَّةِ أَصْلًا أَوْ بَدَلًا وَصَارَ كَقَلِيلِ الْقِيمَةِ وَكَالْغَصْبِ.
الْمِلْكَ يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي فِي الْعَيْنِ ابْتِدَاءً، إلَى هُنَا أَشَارَ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ وَالْمَحْبُوبِيُّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. وَاقْتَفَى أَثَرَهُ فِي هَذَا الشَّرْحِ وَالْبَيَانِ صَاحِبَا الْعِنَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ صَرَّحَ فِي أَوَائِلِ هَذَا الْبَابِ بِأَنَّ الْوَاجِبَ الْأَصْلِيَّ فِي جِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ هُوَ الدَّفْعُ وَلِهَذَا يَسْقُطُ الْمُوجِبَ بِمَوْتِ الْعَبْدِ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الْوَاجِبِ وَإِنْ كَانَ لِلْمَوْلَى حَقُّ النَّقْلِ إلَى الْفِدَاءِ كَمَا فِي مَالِ الزَّكَاةِ، وَصَرَّحَ بِهِ أَيْضًا عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ فِي كُتُبِهِمْ فَمَا مَعْنَى بِنَاءِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَنَّ أَصْلَ حَقِّهِمَا لَيْسَ فِي عَيْنِ الْعَبْدِ بَلْ فِي الْأَرْشِ، وَهَلَّا يَقْتَضِي هَذَا أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ الْأَصْلِيُّ فِي جِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ هُوَ الْفِدَاءُ دُونَ دَفْعِ عَيْنِ الْعَبْدِ. ثُمَّ إنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فِي بَيَانِ طَرِيقَةِ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ هَاهُنَا لِأَنَّ الْحَقَّ تَعَلَّقَ بِالرَّقَبَةِ يَنْبُو عَمَّا ذَكَرَهُ هَؤُلَاءِ الشُّرَّاحِ فِي تَعْلِيلِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ. .
لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ جِنَايَةِ الْعَبْدِ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْعَبْدِ، وَقَدَّمَ الْأَوْلَى تَرْجِيحًا لِجَانِبِ الْفَاعِلِيَّةِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَهُوَ حَقُّ الْأَدَاءِ. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ: إنَّمَا قَدَّمَ جِنَايَةَ الْعَبِيدِ عَلَى الْجِنَايَةِ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ الْفَاعِلَ قَبْلَ الْمَفْعُولِ وُجُودًا فَكَذَا تَرْتِيبًا، أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ، لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ أَنَّ ذَاتَ الْفَاعِلِ قَبْلَ ذَاتِ الْمَفْعُولِ وُجُودًا فَهُوَ مَمْنُوعٌ، إذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وُجُودُ ذَاتِ الْمَفْعُولِ قَبْلَ وُجُودِ ذَاتِ الْفَاعِلِ مُدَّةً طَوِيلَةً، مَثَلًا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عُمْرُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ سَبْعِينَ سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ وَعُمْرُ الْجَانِي عِشْرِينَ سَنَةً أَوْ أَقَلَّ، وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّ فَاعِلِيَّةَ الْفَاعِلِ قَبْلَ مَفْعُولِيَّةِ الْمَفْعُولِ وُجُودًا فَهُوَ أَيْضًا مَمْنُوعٌ فَإِنَّ الْمَفْعُولِيَّةَ وَالْفَاعِلِيَّةَ تُوجَدَانِ مَعًا فِي آنٍ وَاحِدٍ وَهُوَ آنُ تَعَلُّقِ الْفِعْلِ الْمُتَعَدِّي بِالْمَفْعُولِ بِوُقُوعِهِ عَلَيْهِ، إذْ قَبْلَ ذَلِكَ لَا يَتَّصِفُ الْفَاعِلُ بِالْفَاعِلِيَّةِ وَلَا الْمَفْعُولُ بِالْمَفْعُولِيَّةِ، وَكُلُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute