للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ قَوْله تَعَالَى ﴿وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ﴾ أَوْجَبَهَا مُطْلَقًا، وَهِيَ اسْمٌ لِلْوَاجِبِ بِمُقَابَلَةِ الْآدَمِيَّةِ، وَلِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْآدَمِيَّةِ حَتَّى كَانَ مُكَلَّفًا، وَفِيهِ مَعْنَى الْمَالِيَّةِ، وَالْآدَمِيَّةُ أَعْلَاهُمَا فَيَجِبُ اعْتِبَارُهَا بِإِهْدَارِ الْأَدْنَى عِنْدَ تَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَضَمَانُ الْغَصْبِ بِمُقَابَلَةِ الْمَالِيَّةِ، إذْ الْغَصْبُ لَا يُرَدُّ إلَّا عَلَى الْمَالِ، وَبَقَاءُ الْعَقْدِ يَتْبَعُ الْفَائِدَةَ حَتَّى يَبْقَى بَعْدَ قَتْلِهِ عَمْدًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْقِصَاصُ بَدَلًا عَنْ الْمَالِيَّةِ فَكَذَلِكَ أَمْرُ الدِّيَةِ، وَفِي قَلِيلِ الْقِيمَةِ الْوَاجِبِ بِمُقَابَلَةِ الْآدَمِيَّةِ إلَّا أَنَّهُ لَا سَمْعَ فِيهِ فَقَدَّرْنَاهُ بِقِيمَتِهِ رَأْيًا، بِخِلَافِ كَثِيرِ الْقِيمَةِ لِأَنَّ قِيمَةَ الْحُرِّ

ذَلِكَ غَيْرُ خَافٍ عَلَى الْفَطِنِ الْعَارِفِ بِالْقَوَاعِدِ.

(قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ قَوْله تَعَالَى ﴿وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ﴾ أَوْجَبَهَا مُطْلَقًا وَهِيَ اسْمٌ لِلْوَاجِبِ بِمُقَابَلَةِ الْآدَمِيَّةِ) وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ الدِّيَةَ مُطْلَقًا فِيمَنْ قَتَلَ خَطَأً حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا. وَالدِّيَةُ اسْمٌ لِلْوَاجِبِ بِمُقَابَلَةِ الْآدَمِيَّةِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا. أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَوْ كَانَ الْوَاجِبُ فِيمَنْ قَتَلَ الْعَبْدَ أَيْضًا خَطَأً هُوَ الدِّيَةُ الَّتِي تَكُونُ وَاجِبَةً بِمُقَابَلَةِ الْآدَمِيَّةِ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَتَفَاوَتَ دِيَاتُ الْعَبِيدِ فِي الْمِقْدَارِ لِتَسَاوِيهِمْ فِي الْآدَمِيَّةِ، كَمَا لَا تَتَفَاوَتُ دِيَاتُ الْأَحْرَارِ فِي الْقِيمَةِ لِتَسَاوِيهِمْ فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَشْرَفَ مِنْ بَعْضٍ بِوُجُوهٍ شَتَّى، مَعَ أَنَّ دِيَاتِ الْعَبِيدِ تَتَفَاوَتُ فِي الْمِقْدَارِ بِحَسَبِ تَفَاوُتِ قِيمَتِهِمْ كَمَا هُوَ الْمَذْهَبُ فَتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ وَلِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْآدَمِيَّةِ حَتَّى كَانَ مُكَلَّفًا وَفِيهِ مَعْنَى الْمَالِيَّةِ، وَالْآدَمِيَّةُ أَعْلَاهُمَا فَيَجِبُ اعْتِبَارُهَا بِإِهْدَارِ الْأَدْنَى عِنْدَ تَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَحَلِّ: وَلِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْآدَمِيَّةِ حَتَّى كَانَ مُكَلَّفًا بِلَا خِلَافٍ، وَفِيهِ مَعْنَى الْمَالِيَّةِ حَتَّى وَرَدَ عَلَيْهِ الْمِلْكُ بِلَا خِلَافٍ وَالْآدَمِيَّةُ أَعْلَاهُمَا لَا مَحَالَةَ فَيَجِبُ اعْتِبَارُهَا بِإِهْدَارِ الْأَدْنَى عِنْدَ تَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا إذْ الْعَكْسُ يُفْضِي إلَى إهْدَارِهِمَا جَمِيعًا، لِأَنَّ الْآدَمِيَّةَ أَصْلٌ لِقِيَامِ الْمَالِيَّةِ بِهَا، وَفِي إهْدَارِ الْأَصْلِ إهْدَارُ التَّابِعِ، وَإِهْدَارُ أَحَدِهِمَا أَوْلَى مِنْ إهْدَارِهِمَا انْتَهَى، وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِأَنَّهُ مَنْقُوضٌ بِصُورَةِ الْغَصْبِ فَإِنَّ فِيهَا إهْدَارَ الْأَصْلِ دُونَ التَّابِعِ انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِوَارِدٍ، فَإِنَّ إهْدَارَ أَحَدِهِمَا إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِيمَا إذَا وُجِدَ إتْلَافُهُمَا مَعًا فَاعْتُبِرَ أَحَدُهُمَا وَأُهْدِرَ الْآخَرُ بِأَنْ يُعْطَى لِإِتْلَافِ أَحَدِهِمَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ دُونَ إتْلَافِ الْآخَرِ كَمَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، فَإِنَّ فِي قَتْلِ الْعَبْدِ إتْلَافَ آدَمِيَّةٍ وَمَالِيَّةٍ مَعًا، بِخِلَافِ الْغَصْبِ إذْ لَيْسَ فِيهِ إتْلَافُ الْآدَمِيَّةِ أَصْلًا، وَإِنَّمَا الْحَاصِلُ بِهِ إتْلَافُ الْمَالِيَّةِ بِإِزَالَةِ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ عَنْهُ وَإِثْبَاتِ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ فِيهِ، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَضَمَانُ الْغَصْبِ بِمُقَابَلَةِ الْمَالِيَّةِ، إذْ الْغَصْبُ لَا يُرَدُّ إلَّا عَلَى الْمَالِ، فَحَيْثُ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ إتْلَافُ الْآدَمِيَّةِ لَمْ يَلْزَمْ فِيهِ إهْدَارُ الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ الْآدَمِيَّةُ، فَإِنَّ مَعْنَى إهْدَارِهِ أَنْ لَا يُعْطَى لِإِتْلَافِهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ إتْلَافُهُ لَمْ يُتَصَوَّرْ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَمِنْ أَيْنَ يَلْزَمُ إهْدَارُهُ تَفَكَّرْ.

(قَوْلُهُ وَفِي قَلِيلِ الْقِيمَةِ الْوَاجِبِ بِمُقَابَلَةِ الْآدَمِيَّةِ إلَّا أَنَّهُ لَا سَمْعَ فِيهِ فَقَدَّرْنَاهُ بِقِيمَتِهِ رَأْيًا) أَقُولُ: فِيهِ إشْكَالٌ، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ وَشَاعَ فِي عِلْمِ الْفُرُوعِ أَيْضًا

<<  <  ج: ص:  >  >>