لِأَنَّ الْقِصَاصَ يَجِبُ عِنْدَ الْمَوْتِ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْجُرْحِ، فَعَلَى اعْتِبَارِ حَالَةِ الْجُرْحِ يَكُونُ الْحَقُّ لِلْمَوْلَى، وَعَلَى اعْتِبَارِ الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ يَكُونُ لِلْوَرَثَةِ فَتَحَقَّقَ الِاشْتِبَاهُ وَتَعَذَّرَ الِاسْتِيفَاءُ فَلَا يَجِبُ عَلَى وَجْهٍ يُسْتَوْفَى وَفِيهِ الْكَلَامُ، وَاجْتِمَاعُهُمَا لَا يُزِيلُ الِاشْتِبَاهَ لِأَنَّ الْمُلْكَيْنِ فِي الْحَالَيْنِ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ لِرَجُلٍ وَبِرَقَبَتِهِ لِآخَرَ إذَا قُتِلَ، لِأَنَّ مَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ الْحَقِّ ثَابِتٌ مِنْ وَقْتِ الْجُرْحِ إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ، فَإِذَا اجْتَمَعَا زَالَ الِاشْتِبَاهُ.
وَلِمُحَمَّدٍ فِي الْخِلَافِيَّةِ وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ وَرَثَةٌ سِوَى الْمَوْلَى أَنَّ سَبَبَ الْوِلَايَةِ قَدْ اخْتَلَفَ لِأَنَّهُ الْمِلْكُ عَلَى اعْتِبَارِ إحْدَى الْحَالَتَيْنِ وَالْوِرَاثَةُ بِالْوَلَاءِ عَلَى اعْتِبَارِ الْأُخْرَى، فَنُزِّلَ مَنْزِلَةَ اخْتِلَافِ الْمُسْتَحَقِّ فِيمَا يُحْتَاطُ فِيهِ
لِأَنَّ الْقِصَاصَ يَجِبُ عِنْدَ الْمَوْتِ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْجُرْحِ، فَعَلَى اعْتِبَارِ حَالَةِ الْجُرْحِ يَكُونُ الْحَقُّ لِلْمَوْلَى، وَعَلَى اعْتِبَارِ الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ يَكُونُ لِلْوَرَثَةِ فَتَحَقَّقَ الِاشْتِبَاهُ إلَخْ) وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِأَنَّهُ مَا مَعْنَى هَذَا التَّرَدُّدِ وَقَدْ صَرَّحُوا فِيمَا لَوْ ضَرَبَ الْأَمَةَ الْحَامِلَةَ فَأَعْتَقَ الْمَوْلَى الْأَمَةَ ثُمَّ أَلْقَتْهُ حَيًّا فَمَاتَ الْوَلَدُ بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ حَالَةُ الضَّرْبِ حَتَّى تَجِبَ الْقِيمَةُ لَا الدِّيَةُ اهـ.
أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ، إذْ قَدْ صَرَّحُوا فِي بَيَانِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ بِأَنَّا اعْتَبَرْنَا حَالَتَيْ الضَّرْبِ وَالتَّلَفِ مَعًا، فَأَوْجَبْنَا الْقِيمَةَ دُونَ الدِّيَةِ اعْتِبَارًا لِحَالَةِ الضَّرْبِ، وَأَوْجَبْنَا قِيمَتَهُ حَيًّا اعْتِبَارًا لِحَالَةِ التَّلَفِ، وَقَدْ مَرَّ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ وَشُرُوحِهِ مُفَصَّلًا فِي أَوَاخِرِ فَصْلِ الْجَنِينِ فَكَأَنَّ ذَلِكَ الْبَعْضَ حَفِظَ بَعْضَ مَا ذُكِرَ هُنَاكَ وَنَسِيَ بَعْضَهُ فَزَعَمَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُنَاكَ حَالَةُ الضَّرْبِ فَقَطْ.
(قَوْلُهُ وَفِيهِ الْكَلَامُ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: أَيْ الْكَلَامُ فِيمَا إذَا كَانَ لِلْعَبْدِ وَرَثَةٌ سِوَى الْمَوْلَى. وَقَالَ: وَوَصَلَ شَيْخِي بِخَطِّهِ الضَّمِيرَ فِي وَفِيهِ إلَى وَتَعَذَّرَ الِاسْتِيفَاءُ لَكِنْ مَآلُ ذَلِكَ إلَى مَا قُلْنَا اهـ.
وَقَالَ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ: قَوْلُهُ وَفِيهِ الْكَلَامُ: أَيْ فِي وُجُوبِهِ عَلَى وَجْهٍ يُسْتَوْفَى، وَلَا كَلَامَ فِي أَصْلِ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ لِإِفَادَةِ الِاسْتِيفَاءِ، فَإِذَا فَاتَ الْمَطْلُوبُ مِنْهُ سَقَطَ اعْتِبَارُهُ اهـ.
وَقَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ: قَوْلُهُ وَفِيهِ الْكَلَامُ: أَيْ كَلَامُنَا فِي تَحَقُّقِ اشْتِبَاهِ مَنْ لَهُ حَقُّ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ: يَعْنِي أَنَّ تَعَذُّرَ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ لِتَحَقُّقِ اشْتِبَاهِ مَنْ لَهُ الِاسْتِيفَاءُ وَقَدْ تَحَقَّقَ الِاشْتِبَاهُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَيَتَعَذَّرُ الِاسْتِيفَاءُ اهـ.
وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ مِنْ بَيْنِ تِلْكَ الْأَقْوَالِ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ حَيْثُ قَالَ: قَوْلُهُ وَفِيهِ الْكَلَامُ: أَيْ وَفِيمَا إذَا كَانَ لَهُ وَرَثَةٌ غَيْرُ الْمَوْلَى، وَنَقَلَ سَائِرَ الْأَقْوَالِ بِقَوْلِهِ وَقِيلَ وَقِيلَ وَقِيلَ. أَقُولُ: مَا ذَهَبَ إلَيْهِ صَاحِبُ النِّهَايَةِ فِي تَفْسِيرِ مُرَادِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ لَيْسَ بِشَيْءٍ عِنْدِي، لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ بَعْدَ أَنْ قَالَ فِيمَا قَبْلُ وَإِنَّمَا لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ مَرِيدًا بِهِ مَا إذَا كَانَ لَهُ وَرَثَةٌ غَيْرُ الْمَوْلَى كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشُّرَّاحُ قَاطِبَةً كَيْفَ يَحْتَاجُ هُنَا إلَى أَنْ يَقُولَ وَالْكَلَامُ فِيمَا إذَا كَانَ لَهُ وَرَثَةٌ غَيْرُ الْمَوْلَى، وَهَلَّا يَكُونُ هَذَا لَغْوًا مِنْ الْكَلَامِ كَمَا يَشْهَدُ بِهِ الْفِطْرَةُ السَّلِيمَةُ. وَأَمَّا مَا ذَهَبَ إلَيْهِ شَيْخُ صَاحِبِ النِّهَايَةِ وَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْغَايَةِ فَلَا يَخْلُو كُلٌّ مِنْهُمَا عَنْ الرَّكَاكَةِ، بَلْ عَنْ اللُّغَوِيَّةِ أَيْضًا كَمَا يُدْرِكُهُ الذَّوْقُ الصَّحِيحُ. وَإِنَّمَا الْحَقُّ الصَّرِيحُ هُنَا مَا ذَهَبَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ، إذْ يَنْتَظِمُ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ جِدًّا وَيَتَعَلَّقُ الْكَلَامُ بِقَرِيبِهِ الْمُتَّصِلِ بِهِ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ كَمَا تَرَى.
(قَوْلُهُ فَنُزِّلَ مَنْزِلَةَ اخْتِلَافِ الْمُسْتَحِقِّ فِيمَا يُحْتَاطُ فِيهِ) قَالَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ فِي تَفْسِيرِ مَا يُحْتَاطُ فِيهِ: أَيْ الَّذِي