للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَمَا إذَا قَالَ لِآخَرَ بِعْتنِي هَذِهِ الْجَارِيَةَ بِكَذَا فَقَالَ الْمَوْلَى زَوَّجْتهَا مِنْك لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَلِأَنَّ الْإِعْتَاقَ قَاطِعٌ لِلسَّرَايَةِ، وَبِانْقِطَاعِهَا يَبْقَى الْجُرْحُ بِلَا سِرَايَةٍ وَالسِّرَايَةُ بِلَا قَطْعٍ فَيَمْتَنِعُ الْقِصَاصُ. وَلَهُمَا أَنَّا تَيَقَّنَّا بِثُبُوتِ الْوِلَايَةِ لِلْمَوْلَى فَيَسْتَوْفِيَا

لَا يَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ، وَقَالُوا: فَإِنَّهُ يُحْتَرَزُ بِهَذَا عَمَّنْ قَالَ لِآخَرَ لَك عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ قَرْضٍ فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ بَلْ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ فَإِنَّهُ يَقْضِي بِالْمَالِ وَإِنْ اخْتَلَفَ السَّبَبُ، لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْأَمْوَالِ وَالْأَمْوَالُ مِمَّا يَقَعُ فِيهَا الْبَدَلُ وَالْإِبَاحَةُ فَلَا يُبَالِي بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ اهـ.

وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ نَقْلِ هَذَا عَنْ الشُّرُوحِ: فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الِاحْتِرَازَ بِاَلَّذِي لَا يَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ إنَّمَا يَكُونُ عَمَّا يَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ وَالْأَمْوَالُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ اهـ.

أَقُولُ: هَذَا النَّظَرُ سَاقِطٌ جِدًّا، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْأَمْوَالَ مِمَّا يَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ؛ أَلَا يَرَى إلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي كِتَابِ الشَّهَادَةِ مِنْ أَنَّ فِي شَهَادَةِ النِّسَاءِ شُبْهَةَ الْبَدَلِيَّةِ لِقِيَامِهَا مَقَامَ شَهَادَةِ الرِّجَالِ فَلَا تُقْبَلُ فِيمَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ مِنْ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَتُقْبَلُ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْحُقُوقِ مَالًا كَانَتْ أَوْ غَيْرَ مَالٍ. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَالْأَوْلَى أَنْ يُفَسِّرَ مَا يُحْتَاطُ فِيهِ بِالدِّمَاءِ وَالْفُرُوجِ، فَإِنَّهُ اسْتَشْهَدَ بَعْدَهُ بِحِلِّ الْوَطْءِ وَهُوَ مِمَّا يَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ اهـ.

أَقُولُ: فِيهِ خَلَلٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ الْمُصَنِّفَ مَا اسْتَشْهَدَ بَعْدَهُ بِحِلِّ الْوَطْءِ وَإِنَّمَا اسْتَشْهَدَ بِعَدَمِ حِلِّهِ كَمَا تَرَى. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ حِلَّ الْوَطْءِ لَيْسَ مِمَّا يَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ قَطْعًا. نَعَمْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِالْوَطْءِ بِشُبْهَةِ الْمِلْكِ أَوْ بِشُبْهَةِ الْمَحَلِّ، لَكِنْ لَا يَحِلُّ الْوَطْءُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَمَا عُرِفَ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ. فَإِنَّ وَجْهَ الْخَلَلِ الْأَوَّلِ بِتَقْدِيرِ الْمُضَافِ بِأَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ بِعَدَمِ حِلِّ الْوَطْءِ يَبْقَى الْخَلَلُ الثَّانِي بِلَا تَحَمُّلِ تَوْجِيهٍ. ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الْفُضَلَاءِ قَالَ فِي نَقْلِ عِبَارَةِ الْعِنَايَةِ: وَهُوَ مَا يَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ بَدَلٌ وَهُوَ مِمَّا يَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ، وَقَالَ لَفْظَةُ " مَا " نَافِيَةٌ. أَقُولُ: نُسَخُ الْعِنَايَةِ الَّتِي رَأَيْنَاهَا لَا تُوَافِقُ مَا ذَكَرَهُ، وَعَلَى فَرْضِ صِحَّةِ ذَلِكَ لَا يَرْتَفِعُ الْإِشْكَالُ عَنْ كَلَامِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ هُنَا، لِأَنَّهُ لَمَّا فَسَّرَ مَا يُحْتَاطُ فِيهِ بِالدِّمَاءِ وَالْفُرُوجِ لَزِمَ أَنْ يَحْتَرِزَ بِهِ عَنْ الْأَمْوَالِ بِالضَّرُورَةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الدِّمَاءِ وَلَا مِنْ الْفُرُوجِ، فَإِنْ كَانَ عِبَارَةُ الْعِنَايَةِ فَإِنَّهُ اسْتَشْهَدَ بَعْدَهُ بِحِلِّ الْوَطْءِ وَهُوَ مَا يَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ وَكَانَ لَفْظَةُ مَا نَافِيَةً لَزِمَ أَنْ يَرِدَ عَلَيْهِ مِثْلُ النَّظَرِ الَّذِي أَوْرَدَهُ عَلَى سَائِرِ الشُّرُوحِ بِأَنْ يُقَالَ: الْأَمْوَالُ أَيْضًا لَا تَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ عَلَى زَعْمِك فَصَارَتْ كَمَا اسْتَشْهَدَ بِهِ، فَمَا مَعْنَى الِاحْتِرَازِ عَنْهَا بِتَفْسِيرِ مَا يُحْتَاطُ فِيهِ بِالدِّمَاءِ وَالْفُرُوجِ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مَا عَدَّهُ أَوْلَى مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ تَأَمَّلْ تَفْهَمْ.

(قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْإِعْتَاقَ قَاطِعٌ لِلسِّرَايَةِ، وَبِانْقِطَاعِهَا يَبْقَى الْجُرْحُ بِلَا سِرَايَةٍ وَالسِّرَايَةُ بِلَا قَطْعٍ فَيَمْتَنِعُ الْقِصَاصُ) هَذَا دَلِيلٌ آخَرُ لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ يُصَيِّرُ النِّهَايَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>